قصة ابتلاع

منذ #قصص عالمية

عيبك الخطير أنك تحول كل مآسيك إلى نكات تضحك عليها وتحاول إضحاك الخلق معك أنا لست ضد الضحك طبعا ، أنا ضد الضحك من غير سبب معقول ! حكايتك مأساة بكل المقاييس ، أوهي على الأقل بوادر مأساة يلزم العمل على عدم وقوعها .

نبذة عن المؤلف : من روائع الأدب البرازيلي ، للأديبة جابرييلا ميسترال، ولدت جابرييلا في تشيلي في عام 1889م ، من أشهر أدباء وشعراء أمريكا اللاتينية ، حصلت على جائزة نوبل للآداب عام 1945م ، من أهم مؤلفاتها : ديوانها الأسى عام 1922م ، توفيت جابرييلا عام 1957م .

سأوضح لك الأمر مستشهداً بكلامك أنت نفسك ، ولا يحق لك أن تقاطعنى قبل أن أكمل كلامي ، فعيبنا هو عدم القدرة على الإصغاء الجيد ، والمسألة ليست زمناً يستغرقه متحدث أطول أو أقصر من الآخر ، يجب أن تفهم ما سبق وقلته لك قبلاً ، من أن البعض عندهم كلام أكثر أهمية وجدوى ، وقد يحتاج إلى وقت أطول مما يحتاجه أولئك الذين ليست لديهم غير بعض التعليقات اللفظية العابرة ، التي تسعى إلى الإضحاك وإشاعة جو من المرح المفتعل !.

البقاء في الوحدة : دعنا نعود إلى موضوعنا الأساسي ونفسره !.

لم يكن مثل هذا الكشف لغزاً لأنك عشت مرارة الفقد منذ البداية ، وأعطيت لأنه لم يكن لديك غير الاستعداد الفطري للعطاء ، وعندما أدركت أنك تعيش وحيدا في عراء العالم ، دون الاستناد على أحد فرحت ، لأنك لم تفعل معكوس ما فعلت ، ولأن اللعبة كانت قد تخللتك ولبستك وصارت مبرر بقائك الوحيد !.

الأبناء والزوجة : تقول ان الولد وقد تخطى منتصف العام الرابع ، أخذ زجاجة إرضاع أخته البنت ووضعها في فمه ، وأمتص محتوياتها ثم أعادها فارغة بجوار أخته النائمة التي لابد وأنها سوف تعجز في صحوها عن حماية رضعتها ، من قبضته الأقوى ، تقول إن الأمر لم يشغلك كثيراً إلا بعد تكراره على مشهد منك في الليلة التالية ، فأيقظت زوجتك لتحكى لها ما حدث فلم تهتم هي على عكس ما كنت تتوقع من انخراطها في الضحك مثلما كنت تضحك ، كانت هي غارقة في نومها الثقيل ، فتركتها لتغطس في نفس البحر الذي أخرجتها منه قسراً .

تفسير خاطئ : وفي الصباح عاودت الحديث معها عن اكتشافك بنفس الحماس لإضحاكها ، فبدا لك أنها تستمع إلى نكتة سخيفة سمعتها ألف مرة ، لا بد أنك شعرت بالخجل لحظتها وتلعثمت على عادتك ، ثم حدثتها متوارياً خلف نبرة الفاهم مقدماً اليها تفسيرك الخاطئ بأنه مجرد حلم ، حلم برئ لطفل برئ يبتلع بينما هو نائم في وقع الأمر مستيقظاً في ظاهره ، يبتلع جرعة لبن صناعي لا تخصه تنفيساً عن رغبة مكبوتة في ابتلاع ما كف عن تعاطيه خضوعاً لإرادة الكبار .

تغيير الأزمنة : أمهات الزمن الفائت يا صاحبي ، كانت تعرف واجباتها وتقوم بها على خير وجه كانت الواحدة منهم تصحو من نومها إذا سعل طفل أو تقلب في فراشه يدها المدربة تتحسس جبهته لتطمئن على حرارته ، دون مقياس للحرارة تسرع بالقيام من مرقدها في برد الشتاء القارس ، لتصنع له حساء دافيء بحسب ما تتطلب الحالة .

الزوجة الغافلة : زوجتك مأساة بكل الحسابات ، لأنها تستغرق في النوم وتترك الولد يمارس استغفالها ويسلب غذاء أخته الرضيعة ، قال القدامى إن المال السائب يعلم السرقة وهو قول صائب ، يتأكد صدقه كل يوم ، وتطبيقا على زوجتك ، طبعاً الغفلة هي الغفلة والأم التي تسمح باغتصاب جرعات من اللبن الصناعي ، قبل أن تصل إلى فم طفلة في عامها الأول ، لا تؤتمن على مصيرها في مستقبل الأيام .

مساعدة الزوج الغافل : تقول أنت إنه حدث أن تطوعت بمحض اختيارك ، لإعداد جرعات اللبن الصناعي للبنت في تلك الأمسيات التي مرضت هي فيها ، وزوجتك تستغرق في نومها عقب مشاهدة ذلك الفيلم الساذج الذي تصادف ، وكان يعرضه التلفزيون أيامها .

جريمة الطفل : كنت تعد الرضعات وتضعها بين يدي البنت ، وأنه حدث أن فعلت نفس الشيء مرة وخرجت من الحجرة بحثاً عن عود ثقاب تشعل به سيجارتك ، ثم عدت لتجد عبوة اللبن الصناعي قد تلاشت عن آخرها ، والبنت تبكي بحرقة والوعاء الفارغ بينها وبين الولد الذي بدا لك متناوماً ، يدارى جرمه متقلباً في الفراش بغير معنى .

واقعة أخرى : وتتذكر أيضاً أنك ذهبت لحضور حفل زفاف كبرى أخواتك البنات مكرهاً ، لأنه لم يكن من المناسب لطبعك التخلى عنها في يوم زفافها ، وقابتلك أمام الغرباء بعبوس الوجه وفتور الكلمات ، فأجهدت نفسك لتحتفظ بشكل علاقة مألوفة بين شقيقين .

العالم المنقسم : كل يوم يمر في حياتك ، كان يتأكد لديك صدق ما سبق أن قرأته من أن العالم انقسم إلى مظلومين وظلمة مقتولين وقتلة حاكمين ومحكومين فقراء ، تنطمس تحت الرماد مواهبهم وقدراتهم ، وأغنياء أكثرهم حمقى يباهون ويتيهون لأنهم يسهمون في فساد العالم.

تقول أن الشكوك حامت حول دماغك على نحو غامض خطرت في خيالك شاحبة وبعيدة ثم تخلفت وبعث ومضاتها التي حيرت الدماغ بقدر ما بعثت فيه من مشاعر الإرتياح.

محاولة أخرى : وفي المساء التالي أخذت الولد لينام في حجرتك ، خلافاً لاعتيادك النوم منفرداً ، كان يقوم من فراشه في منتصف الليل ، أو قرب الفجر ويخرج من الحجرة ويتصادف أن تشعر بحركته ، وتسأله عن وجهته فيرد عليك بأنه ذاهب لقضاء حاجته في دورة المياه ، فتفرح وتتوهم أنه تعلم أخيراً وجوب المحافظة على نظافة الفراش .

الابتلاع : كنت تتقلب ولا تشغل نفسك في أول الأمر بمتابعة خطواته ، حتى اكتشفت أنه يذهب إلى الحجرة الأخرى كأي لص محترف ، ليستلب غذاء أخته الرضيعة ، ذلك أنك صحوت مرة على صراخ الطفلة ، وذهبت لتهدئتها بينما زوجتك غارقة على عادتها في نومها الثقيل ، لتلاحظ ابتلاع الرضعة التي كنت قد أعددتها لتوك ليلتها .

شعور إنساني لا ينتهي : أيقظتها غاضباً وأفهمتها أنه من الواجب أن تحمي هي البنت ، من لصوصية الولد لكنها سخرت من فكرتك وأنكرتها ، فأكدت لها صدق ما كان من ابتلاع غذاء البنت ، فابتسمت وفسرت لك الأمر على أنه نوع من أنانية الأطفال شائع ، ضحكت أنت واعتبرت الأمر نكتة ، ورحت ترويها على مسامع الأصدقاء والأهل مستجدياً ضحكاتهم أيضاً ، وفاتك أن الأنانية شعور إنساني لا ينتهي في مرحلة الطفولة ، وإن كان يبدأ منها ويستفحل خطره في الزمن التالي .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك