تمتاز القصة بالوصف الدقيق والتصوير البارع عن المشاعر الإنسانية والإحساسات النفسية توصف صفحة من حياة مريض أصيب بحمى التيفويد وخر صريعها وراح يعاني من الألم وثقلت عليه وطأة المرض فاشتد تأثره به .
نبذة عن الكاتب: أنطون تشيجوف كاتب مسرحي وطبيب ومؤلف قصص روسي من أكثر مؤلفين القصص على مدى التاريخ وكبار الأدباء الروس على مر العصور ولد عام 1860م ، وتوفي عام 1904م بعد أن كتب مئات من القصص التي توصف المشاعر الإنسانية وتعبر عن الإنسان تعبيراً صادقاً .
القصة :
كان القطار ينساب بين الربوع بسرعة بعد أن خلف ورائه بتروغواد وغايته موسكو وفي إحدى عربات القطار جلس الضابط كليموت وهو شاب تجلت عليه علامات المرض والألم ، وكان رفيقه رجل مسن عليه علامات الرغد يدخن غليونه كان شره الكلام تحدث إلى الضابط عن سبب ذهابه إلى موسكو وحدثه أن له أخ ضابط كان كليموف يشعر بدوار في الرأس وصداع شديد والرجل يتحدث غير مبالي .
كان يرد بالكاد على الأسئلة وراح يحمل عليه في قلبه إصراً وبغضاً ، وتراوده نفسه رغبة في أن يختطف منه الغليونه ويلقى بها تحت المقعد وقال في نفسه وقد ضاق به ذرعاً ما أفظع هؤلاء وأبغضهم إلى النفس إنهم أوغاد وزاد إحساس الضابط الشاب بما يكتنفه من وعك وكآبة وألم وبدأ وجهه في الشحوب وسرى الجفاف والظمأ إلى حلقه وضاقت رأسه وثقلت عليه وطأة الصداع وكان الزمن يمشي متباطئاً على مهل حيناً وسريعاً حيناً ، تمر القطارات الأخرى سريعة بينما قطاره يتهادى في سيره ، ومازال الرجل يدخن الغليونة وينفثها بالهواء وتمازج مع الكآبة السوداء كأنه كابوس يخيم على صدره .
حاول أن يمدد جسده على المقعد ولكن النوم أبى وظلت الخواطر السواد مسيطرة عليه ، نام الرجل المسن وعلا صوته شخيره ، وحين أفاق من نومه أشعل غليونه أخرى وما لبث أن نام ثانية وكليموف يتحامل على نفسه بعد فترة من الوقت أراد الماء فلمح سيدة تتحدث مع رجل عسكري تتبسم له فذهب يطلب الماء ولما رجع وجد الرجل استولى على مقعده ويدخن عليه فلما وجده قال له في أي محطة هذه فأجابه وقد نفذ صبره لست أدري .
فقال له متى نصل للمدينة فقال له لست أدري ، وبدأ الرجل يحدثه عن أخيه البحار ولم يعره كليموف اهتمام وراح يتصور فراشه ويتصور أخته كاثي التي تحنو عليه ما لبث أن عادت الأصوات في هرج وراح يطرق أذنه جرس القطار اشد الألم عليه وتسرب الوهن إلى عظامه وشقت عليه الحركة تسلل من النافذة تيار بارد أصاب ظهره أبى أن يغير وضعه وما لبث أن غاب في سبات مضطرب ، وأغمض أجفانه .
وبعد زمن طويل رأى النهار بازغاً ، وجاء الركب يحملون متاعهم تلقى كليموف معطفه وغادر القطار أحس وهو يسير أنه ليس هو بل مخلوق أخر غريب أحس أن حرارة القطار مازالت متواجدة ، والكآبة في نفسه استقل عربة من خارج المحطة ووضع أمتعته ولما بلغ بيته لقته خالته بالترحاب وقابلته أخته وانطلق من غير هدى ولا بصيره إلى حجرته ونام على فراشه يئن فلما أفاق في عشيته وجد نفسه مضطجعاً في فراشه عاري الجسد ولمح الخادم ومعه ابريق الماء العذب يبد أنه لم يخف من حدة مرضه لسانه قد تشقق من الجفاف وظل يتذكر الرجل العجوز وقهقهته وجد بجوار الطبيب رجل بلحية سوداء هو الطبيب قال له حسناً لقد برأت تماماً يا صغيري .
كان النهار يغمر الغرفة ثم جاءت عتمة المساء ومازال الطبيب متواجد وأحداث القطار كلها تخيم على تفكيره في الليل كانت تتسلل حوله الأشباح والظلال وكانت أخته راكعة إلى جوراه وتردد دعاء خفي في صمت وخشوع وحينما خفت وطأة الحمى عنه راحت أشعة الشمس تفيض من النوافذ ، سمع صليل العجلات رأٍه قد هديت لا يدري سبباً للسعادة البالغة وإحساس البهجة والمرح وما لبث أن طلب الطعام والسجائر وقال لخالتك ما الذي كنت أعانيه فقال التيفويد .
فقال لها أين كاثي لعلها في الامتحان قالت العجوز وهي ترتعد وأجهشت بالبكاء لقد أصيبت بالعدوى ومنك ورحلت فقال أين رحل رحلت البارحة ودفنت بالتراب ؟ ، حينئذ صدع قلبه الآسي وأمضه الكمد وأحس بوقع الفجيعة عليه أليماً عنيفاً وقال كم أنا شقي وودع بهجته ومرحه وانثنى بضطرب فيما كان يكتنفه من سآمته للحياة وضجره بالعيش وقد ضاعفتها فداحة تلك الخسارة التي لا تعوض .