بعض ما نفعله بالماضي ، قد يظل يطاردنا طوال حياتنا ، ولا ندري أنه قد التصق بنا ، كل هذا القدر ، ولعل ما فعله جمال بالماضي ، أمر لا يُغتفر قط ، جمال رجل ثلاثيني أب وزوج ، له مركز اجتماعي جيد على أية حال ، وله من الأبناء ثلاثة في أعمار مختلفة ، كان جمال شخصًا مغترًا بنفسه ، ويشعر بشكل دائم أنه يستحق ، ما هو أفضل مما لديه ، ولعل هذا الأمر أوقعه في عدة أخطاء بالماضي
من أهم الصفات التي كانت تعد سمة يمكنك تمييزه بها ، هي كرهه لأحمر الشفاه ! نعم كما قرأت ، أحمر الشفاه كان يسبب له الغثيان ، ويؤلم معدته ، حتى أنه كان يتشاجر مع زوجته إذا ما وضعته على شفتيها ، بل وصل الأمر في إحدى المشاجرات إلى إلقائه يمين الطلاق عليها ، بسبب هذا الأمر
في أحد الأيام ، خرجت بتول زوجة جمال برفقة الأولاد ، وظل هو بالبيت نائمًا ، نومًا عميقًا ، شاهد نفسه يقف في منزل ما ، لم يستطيع أن يتبين تفاصيله كثيرًا ، ولكنه شعر أنه مألوف له ، ولكن ليس هذا ما لفت انتباهه ، بل تلك الحسناء شديدة الفتنة والجمال ، والتي تقف أمامه وقد اقتربت منه ، وهي تضع أحمر شفاه حاد اللون ، وقبّلته ، نعم وضعت قبلة على شفتيه وأخرى على رأسه ، وواحدة على أحد خديه ، في ثلاثية ناعمة لم يستطيع معها جمال أن يعترض ، وابتسمت له ثم قالت (سأعود
استيقظ جمال من حلمه ، على صوت عودة الأولاد برفقة بتول من الملاهي ، فنهض بعد تقلب وخرج إلى الأولاد ، احتضنهم وقبّلهم ، ولكنه توقف عندما وجد الأطفال ينظرون له بذهول ، ويتأملونه بارتياب شديد ، فنظر إليهم وهو مندهش من ردة فعلهم ، ثم خرجت بتول من غرفة الطهي ، وهي تروي له ما فعله الأطفال في الخارج
ولكنها قاطعت حديثها لتثور في موجهه فجأة ، وتتهمه بممارسة الرذيلة مع عاهرة بمنزلها ، فشعر جمال بالصدمة وهو لا يفهم لم تصيح زوجته هكذا ، فنظرت له بتول وهي تقول له بكل حقد وقهر ، لن أنس صفعتك على وجهي ، عندما وعت أحمر لشفاه مثلي مثل أية أنثى ، والآن أرى وجهك ملطخ به لأن عاهرتك هي التي وضعته لك أرني أين هي في المنزل يا فاسد يا حقير
بدأ جمال يرتعب ، هبل يمكن للحلم أن يتحول إلى حقيقة ، وتصبح قبلات الفاتنة مرئية بهذا الشكل ، نهض جمال مسرعًا نحو المرآة وكانت صدمته ، عندما رأى أحمر الشفاه يلطخ وجهه ، فذهب وتقيألأ كل ما في معدته ، فهو لا يطيق هذا الشيء اللزج ويتقزز منه بشدة ، ظل جمال على هذا الوضع حتى فقد وعيه ، وكانت زوجته قد حملت أطفالها وذهبت إلى منزل أهلها في ثورة عارمة
حلم بها جمال مرة أخرى ، وهذه المرة سألها من أنت فأمسكت يده وطبعت عليها قبلة أخرى ، بأحمر شفاهها وقالت له أنا ابنتك فاتن ، وضحكت بشدة ثم تركته وسط ذهوله ، استفاق جمال وهو يفكر ، هل حقًا كانت زهرة حاملاً منه ؟ تذكر جمال زميلته بالجامعة الفاتنة وكانت تدعى زهرة ، كانت شديدة الجمال ، وكل من يراها يرغب بها بشدة ، وكان من بين الراغبين بزهرة جمال ، ولكنه اتخذ طريقًا ملتويًا
فقد كانت تصده كلما حاول التقرب منها ، مما زاده إصرارًا عليها ، فذهب لفتاة من زميلاتهم ، سيئة السلوك بعض الشيء ، وأعطاها المال وطلب منها أن تأتيه بزهرة ، دون علمها وحدد معها مكان الشقة ، وبالفعل أتت بها زميلتها بحجة أن تريها شقتها الجديدة ، وبمجرد أن صعدتا إلى الشقة ، وقدمت لها الفتاة مشروبًا به مخدر قوي ، حتى غابت زهرة عن وعيها ، وهنا صعد جمال وانصرفت الفتاة ، وتركته برفقة زهرة التي دفعت لثمن غاليًا
استفاقت زهرة لتجد نفسها عارية ، داخل تلك الشقة وجسدها ممتلئ ، بالكدمات والجروح وقد فقدت عذريتها ، وجلس جمال مجاورًا لها وأخبرها أن تذهب لتغتسل ، وستجد ثيابًا جديدة ، يمكنها ارتدائها
انهارت زهرة تمامًا ، وتملص منها جمال بعد ذلك ، فقد فعل ما رغب به وهي لا تعني له شيئًا ، أخبرته بعدها زهرة أنها حاملاً ولكنه اعتقد أنها تقل هكذا فقط ، حتى يأتيها بالحلال ، فابتعد عنها حتى انتحرت المسكينة لتتخلص مما حدث معها من عار
الآن جمال تذكر شيء وهو ينظر ليده المطبوع عليها أحمر الشفاه ، كل قبلة قبّلتها له فاتن كانت مطبوعة ، حاول جمال أن يتخلص منها جميعًا ، إلا أنها أبت أن تترك جسده ، رن جرس الباب ليفتح جمال ، ويجد شقيق زوجته أحمد ينظر له بدهشة وغل شديدين ، ثم صفعه ، فأخبره جمال أن الأمر ليس كما يبدو ، ولكن الأخير انهال عليه ضربًا حتى أفقده الوعي ، ثم رحل
شاهد جمال الفتاة تأتيه ، وشعر أنها بمجرد أن تأتي ، يتسمر هو في مكانه ولا يستطيع أن يتحرك عكس إرادتها هي ، فانساق خلفها وهي تقول له لقد تذكرت جريمتك يا جمال ، هيا بنا حتى تكفر عن سيئتك يا أبي ، فانساق جمل خلفها حتى صعدا إلى السطح ، فقالت له فاتن هيا يا أبي اقفز ، وكفر عن ماضيك القذر وما فعلته بزهرة أمي ، هيا يا أبي اقفز
بدأ جمال يقترب مرغمًا من حافة السور ، ولم ير أحدهم شيئًا سوى جثة اختلطت في وجهها ، أحمر الشفاه بالدماء ، وقيل أن بعض الناس قد شاهدوا امرأتين على سطح المنزل ، ولكنهم عندما صعدوا ليقبضوا عليهما ، لم يجدا سوى أقلامًا لأحمر الشفاه على السطح ، ولا أثر لأي شخص بالأعلى