خرجت الفأرة الرمادية من جحرها ثم ركضت نحو بيت المؤونه ، ولكنها لم تكد تقترب من الباب حتى وجدت الهرة نائمة هناك فتراجعت مذعورة ولم تدري إلى أين تذهب فقد شعرت بالجوع ، وكانت غرفة المكتبة مفتوحة على مصراعيها فقفزت الفأرة الرمادية سريعًا فوجدت نفسها بين رفوف الكتب والمؤلفات والمعاجم والمجلات .بدت الصفحات هشة والفأرة تقرض أطرافها ضحكت وقالت لنفسها ، يتعب الإنسان في تأليف الكتب ويكلف نفسه في سبيل إخراجها وطباعتها وها أنا ذا أقرضها بهدوء ، بدأت الفأرة بكتاب الجغرافيا قرضت بعض الصفحات ، وحدثت نفسها وقالت الجغرافيا ضرورية ، علم البلدان ومعرفة الأمصار ، الخرائط والمصورات البحار والمحيطات وكلها مفيدة .ثم انتقلت إلى دواوين الشعر وقالت وهذه الأشعار من الكلمات المختارة والأفكار المحلقة ثم قرضت صفحتين منه ، ثم تحولت إلى قصة ملونة وقالت هذه حكاية ممتعه ما ألذها أني أهوى هذه الرسوم الجميلة ، أنظروا إلى هذا الولد الذي يركض وراء الأرنب قميصه الأحمر غير ملون وكفاه غير ملطختان بالحبر ، يبدو أنه مجتهد في دروسه لأنه لم يترك الكتاب من يديه ، ويحب النظافة والترتيب .كانت الفأرة تقوم بمهمتها بنشاط وحيوية تقرض وتقرض وهي تغني بين الصفحات وتقول ما أسعدني ما أسعدني دفء الأوراق يصاحبني والليل الهادئ يعرفني وهذه الصفحات تكلمني ، ما أسعدني ما أسعدني ، وحين تركت النص الأخير قفزت إلى المنضدة المستديرة وسط غرفة المكتبة ، وكان هناك بعض مجلات الأطفال وبعض الكتب فتوقفت تقلب في صفحاتها وهي ما زالت تغني وتضحك .ولم يُسمع في البيت الهادئ إلا دقات الساعة في الصالة ، فتح الهر فلفل عينيه وأرهف سمعه وأذنيه فكانت هناك خشخشة أوراق وصوت غناء تلفت يمنه ويسره فلم يجد شيئًا غير أنه شم رائحة الفأرة فصار على رؤوس أطرافه بخفة ورشاقة حتى أصبح أمام غرفة المكتبة وكانت الفأرة قد بدأت بصور مجلة الأطفال وقد أثارتها الصفحات الزاهية والصور الملونة وصارت تمرغ فمها وهي تغني ما أسعدني ما أسعدني .ورفعت الفأرة رأسها عاليًا وفتحت ذراعيها ثم قالت أنا الآن فعلًا عالمة بكل شيء ، لقد اكتسبت كثيرًا من المعارف والعلوم صرت افهم في الجغرافيا وأعرف الأشعار والقصائد وها أنا ذا التهم القصص والحكايات ، سمع القطط فلفل ذلك وبقفزة واحدة صار أمامها تمامًا فوق المنضدة نظرت الفأرة إليه برعب وقد اهتز ذيلها كأنها مسها تيار كهربائي وكشف عن أسنانه البيضاء الناصعة وهو يقول سأكون أكثر علمًا منك وأكثر معرفة لو التهمتك على الفور أيتها المغنية الظريفة ذات الصوت الساحر ، ولكن الفأرة الرمادية قفزت بعيدًا عن القط واختبأت بين صفحاتها ثم اختفت ..قلب فلفل كل مجلة صفحةً صفحة بحثًا عن الفأرة المعنية فلم يعثر لها على أثر قرأ الصفحات ودقق في زواياها ولكنه لم يجد شيئًا ومازال فلفل ينتظر ظهور مجلات الأطفال في كل أسبوع أو كل شهر لعله يعثر على الفأرة الرمادية المغنية وما يزال البحث جاريًا ..