إن كلا منا يقدر الفعل الحسن ويعجب به ، ويشكر صاحبه عليه ، ويعجب بالسخاء والكرم ، وخدمة المجتمع ، وإغاثة الملهوف ، وإطعام الجائع ، وتسلية المكروب ، وقد يثني على صاحبه ويعترف بفضله ويقول : أحسنت ، جزاك الله خيرًا .ولكن الأعمال تأتي على مستوى الرجال وعلى قدر هممهم ، وعلى قدر ما طبعهم الله تعالى عليه ، من حب الخير ، وقدره حق قدره ، والجزاء الأوفى عليه ، والاستهانة بالمال والعطاء في سبيله ، وصدق الشاعر : وتأتي على قدر الكرام المكارم .من قصص كرم وسخاء سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما ابن السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وكان أشبه أو من أشبههم برسول الله صلّ الله عليه وسلم خُلقا وخلقًا ، وقد قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم في حقه : إن ابني هذا سيد .وذات يوم كان سيدنا الحسن رضي الله عنه مارا على بعض بساتين وحدائق المدينة ، فرأى أسود بيده رغيف ، يأكل لقمة ، ويطعم الكلب لقمة ، إلى أن شاطره الرغيف بأكمله ، وكان منظرًا غريبًا ، وشيئًا غير مألوف ، فإن كثيرًا من الرجال ينفردون بالطعام ويستأثرون به لأنفسهم دون بني جنسهم ودون أي مخلوق .ولعل الأسود كان هذا قوت يومه لا يجد غيره ، ولكنه شاطر الكلب الرغيف ، رغم شدة حاجته إليه ، وكان من الممكن أن الكلب كان له متسع من طعام قرره له صاحبه ، أو سيجد ما يشبعه في الحديقة ، أو من فتات مائدة صاحبه .وكان هذا منظرًا غريبًا استرعى انتباه الحسن رضي الله عنه ، واستوقفه ، ما الذي حث الغلام على فعل هذا الأمر ؟ ، فذهب إلي العبد الأسود يسأله : ما حملك على أن شاطرت الكلب ولم تغابنه ، أي لم تخدعه أو تنقصه ، فيه بشيء ؟ فمن المعلوم أنه لم يكن عليك رقيب ، ولا للكلب لسان حال يشكو به ، ولا له عليك دين أو حق يطالبك به ، وكان الجواب : استحت عيناي من عينيه أن أغابنه .أثار هذا المنظر وهذا الجواب العجيب في نفس سيدنا الحسن رضي الله عنه ، ما أثار من المروءة التي كانت بالرجل والخلق الكريم به فقرر في نفسه أن يجازيه جزاءًا عظيمًا ، فقال له : غلام من أنت ؟ ، قال الأسود : غلام أبان بن عثمان ، قال الحسن رضي الله عنه : والحائط لمن ، أي البستان ؟ ، قال العبد لأبان أيضا ، فقال له الحسن رضي الله عنه : أقسمت عليك لا برحت حتى أعود إليك .فمر الحسن رضي الله عنه فاشترى الغلام والحائط ، بذل الكثير من أجل شرائهما ، ولكنه كان يرى أن سلعته غالية ، جاء إلى الغلام فقال له : قد اشتريتك ! ، فوقف الغلام قائمًا ، وقال : السمع والطاعة لله ولرسوله ولك يا مولاي ، وقال الحسن رضي الله عنه : وقد اشتريت الحائط وأنت حر لوجه الله ، والحائط هبة مني إليك .حدث عن دهشة الغلام ولا حرج ، فقد غمره سرور لا يوصف ففي لحظات انقلب حرًا ، وأصبح صاحب حائط ، هذا هو الجزاء الأوفى كافأه الله قبل سيدنا الحسن رضي الله عنه ، لما رأى فيه الله من صدق ورحمة مع حيوان لا يستطيع أن ينطق ولا يتكلم .