محامي الفقراء هكذا لقب الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ، الذي وأسمه الحقيقي هو جندب بن جنادة بن سفيان ، ولد في قبيلة غفار ، وكانت مساكنهم على طريق القوافل بين اليمن والشام .وكان رجال هذه القبيلة يعملون بقطع الطريق والسطو على القوافل وكان أبو ذر يخرج معهم هو وأخوه أنيس بن جنادة ، لكنه كان يضيق بعبادة الأصنام وكان دائم التفكير والبحث عن الله ، سمع أبو ذر عن بعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بمكة فطلب من أخيه أنيس أن يتوجه إلى مكة ويسمع من النبي عليه الصلاة والسلام ويأتيه بالخبر .ذهب أنيس إلى مكة ، والتقى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسمع منه ، ثم عاد إلى البادية ، فتلقاه أبو ذر باللهفة ، وسأله عن أخبار النبي الجديد بشغف فقال : لقد رأيت واللهِ رجلاً يدعو إلى مكارم الأخلاق ، ويقول كلامًا ما هو بالشعر ، فقال : وماذا يقول الناس عنه ؟ قال : يقولون : ساحر ، وكاهن ، وشاعر .فقال أبو ذر : والله ما شفيت لي غليلاً ، ولا قضيت لي حاجة ، فهل أنت كافٍ عيالي حتى انطلق فأنظر في أمره ؟ قال : نعم ، ولكن كنْ من أهل مكة على حذر ، لأن الرجل مُحارَب هناك ، فإذا علموا أنك جئته ربما قتلوك .وهكذا ترك أبو ذر أهله وتوجه إلى مكة لمقابلة النبي وهو خائف متوجس من أهلها ، وذهب إلى الكعبة فنام هناك فمر عليه سيدنا علي بن أبي طالب ، فأخذه ليبيت عنده ولم يسأله عن شيء وفي الصباح عاد عند الكعبة ، وتكرر هذا الموقف ثلاثة ليالي وفي اليوم الثالث سأله سيدنا علي رضي الله عنه ، عن حاجته فطلب منه عهد على الأمان ، فأمنه علي فقال له ما خبر الرجل الذي يدعى النبوة فأجابه علي والله إنه لرسول الله فإذا ذهبت إلى لقائه فاتبعني وإن رأيت شيئا تخشاه فأرجع .دخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال أنه أول من حيا بتحية الإسلام ، ودخل في الإسلام وطلب منه النبي أن يكتم إسلامه فقال أبا ذر ، أنه لن يبرح مكة حتى يجهر بإسلامه فسكت الرسول عليه الصلاة والسلام .فذهب أبو ذر إلى الكعبة وكان الناس جلوسًا يتحدون فتوسطهم ونادى بأعلى صوته يا معشر قريش إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، فقامت قريش وقالوا ليكم بهذا الصابئ وقاموا بضربه ليقتلوه فأنقذه العباس عم النبي صلّ الله عليه وسلم .فلم علم الرسول صلّ الله عليه وسلم ، قال له ألم أقل لك أن تكتم إسلامك يا أبا ذر ، فقال للنبي والله إنها حاجة في نفسي فطلب منه الرسول عليه الصلاة والسلام ، أن يرجع إلى غفار ويدعوهم للإسلام ، فلما وصل إلى غفار لقيه أخوه أنيس فسأله عما فعل فقال له ، أني أسلمت فأسلم أنيس من فوره وذهبا إلى والدتهما ودعاها إلى الإسلام ، فأسلمت هي الأخرى ، وظل أبو ذر وأسرته يدعون أهل غفار إلى الإسلام ، حتى أسلم كثير من قبيلته وظل في غفار حتى غزوة الخندق ، ذهب إلى المدينة ليقيم بجوار رسول الله صلّ الله عليه وسلم ولم يكن له بيتا فكان ينام في المسجد.فلما أتت غزوة تبوك أصر على الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يملك إلا ناقة ضعيفة لا تقوى على السير في الصحراء ، فخرج بها وماتت الناقة في وسط الطريق فأصر على استكمال الطريق سيرًا على قدميه في حر الصحراء .فلما وصل الجيش قال أحد الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام أن أبا ذر ، قد تخلف عن الجهاد وأجاب الرسول كلا لم يتخلف عنا أبو ذر ، وفجأة رأى بعض الجنود من بعيد رجلًا يمشي فوق الرمال فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : إنه أبو ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده .عاش أبو ذر بالمدينة المنورة حتى وفاة الرسول صلّ الله عليه وسلم ، فلم يطيق العيش بالمدينة بعدها فغادر إلى الشام ، وهناك لم يعجبه أحوال الناس من البذخ والترف وترك الإنفاق على الفقراء ، فكان دائم الخطبة في الأغنياء وحثهم على الأنفاق فأحبه الفقراء ، وقلق حاكم الشام معاوية بن أبي سفيان من كلام أبا ذر فطرده من الشام ، وبنى له بيتا في منطقة بعيدة تسمى الربذة ، وأعطاه إبلا وخصص له عطاء وحين مرض أبو ذر مرض الموت ، جلست زوجته تبكي فمر بها جماعة فسألوها ، ما بها فأخبرتهم أن أبا ذر يموت ولا تجد له كفنا فعرفوا أنه من صحابة الرسول وخلع واحدًا منهم رداءه وكفنوه به.