قصة على الخشبة

منذ #قصص دينية

كان أصحاب النبي صلّ الله عليه وسلم يعبدون ربهم ، ويشتغلون بالتجارة والزراعة ، ويشتغلون بالصناعات كالحياكة والخياطة وغير ذلك ، فكانوا عبادًا وطلبة علم ، وكانوا مسلمين أولًا وكانوا مسلمين آخرًا ، وكانوا كأوساط الناس ، يأكلون ويشربون ، ويبيعون ويشترون ، وكل ذلك في سبيل الله ، لأنهم يبتغون به وجه الله .ولماذا لا يفعلون ذلك وهم يسمعون نبيهم يقول : لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ويسمعونه يقول : والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل ، ويسمعونه يقول : إن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عامًا .أراد النبي صلّ الله عليه وسلم يوما أن يبعث جماعة من المسلمين إلى أرض العدو تعرف له أخبار المشركين ، وكان يعلم أنها أرض العدو ، وأن المشركين بالمرصاد فاختار عشرة رجال لا يحبون الحياة ولا يكرهون الموت ، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الانصاري رضي الله عنه ، ودع هؤلاء أهلهم وأولادهم وأصدقاءهم  وقالوا لهم : وداعًا أيها الأحبه وإلى اللقاء غدًا يوم القيامة.وانطلقوا من المدينة وساروا في سبيل الله حتى وصلوا إلى موضع يقال له الهدأة ، بين عسفان ومكة ، وذهب إلى بنى لحيان رجل يسعى وقال لهم : هل تعلمون أن بالهدأة جماعة من المسلمين ؟ قالوا : والله ما ندري وما عندنا منهم خبر ! ،  قال : فإنهم والله بالهدأة ، لقد رأيتهم ، والله بعيني هذه ، وجئت لأخبركم بهم لتروا فيهم رأيكم .قالوا : جزيت خيرًا ، وكم هم يا أخى بنى فلان ؟ ، قال : أراهم لا يزيدون على عشرة ، قالوا : فينبغي لهم مائة رجل لأن الواحد من هؤلاء يساوي عشرة ، وقام مائة رجل من بني لحيان وقالوا : إلى أعدائنا ، إلى الهدأة حيث ندرك ثأر بدر .وانطلقوا يسألون عن هؤلاء العشرة  ، هل رأيتم  رجالًا من يثرب ، هل رأيتم أحدًا يصلي ؟ وذهبوا يرون آثارهم في الرمل حتى اهتدوا إلى مكانهم ، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى موضع فأحاط بهم القوم ، وقالوا : انزلوا وأعطوا مابأيدكم ولكم العهد ، ولكن عاصما كان يعرف أن الكافر ليست له ذمة ولا عهد وأن الكافر لا يمنعه من الغدر شيء ، فهو سمع الله يقول : (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ) سورة التوبة  الآية10 .كان عاصم يعرف ذلك جيدًا ، فأبى أن يثق بهؤلاء  و قال عاصم : أيها  القوم ، أما أنا فلا أنزل على ذمة كافر ، وبدأ القتال ، وأطلق المشركون على المسلمين السهام ورموهم بالنبال ، وقتلوا عاصم ، وقتلوا معه ستة .أكرم الله عاصم بالشهادة وكان عاصم قد قتل رجلًا من عظماء قريش ، فبعثوا إليه رجلًا يأتي بشيء منه ليعرفوا أنه قتل ، وأبى الله أن يمسوا جسده وهو في ذمته ، فقد رأو النحل يحميه ، فخافوا ، ولم يجدوا إلي جثته سبيلًا .ولما رأى أصحاب عاصم أن عاصم قد قُتل ، وأنهم إذا قتلوا جميعًا من يعرف أخبار المشركين ، ومن  يخبر رسول الله صل الله عليه وسلم بأحوالهم ؟ ، وكان عاصم قد اجتهد وكان له أجر ، واجتهد أصحابه وكان لهم أجر ، وكل أراد وجه الله .نزل ثلاثة نفر على العهد والميثاق ، ولما تمكن المشركون من هؤلاء أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم ، قال الرجل الثالث : هذا أول الغدر ، فقال والله لن أصحبكم ، إن لي بهؤلاء أسوة ، فجروه فأبى فقتلوه .وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما في مكة ، وكان خبيب قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر ، ولما علم أبناؤه اشتروه ليقتلوه بأبيهم ، ومكث خبيب عند بني الحارث أسيرًا ، وكان حاله غريبا في الأسر ، كانت بنت الحارث تقول فيه : ما رأيت أسيرا كخبيب ، فوالله لقد وجدته يوما يأكل قطف من عنب في يده وهو موثوق بالحديد ، وما بمكة من ثمرة .ولكن العداوة تعم وتصم ، والكفر يعمي ويصم ، فما رأوه من خبيب لم يمنعهم ليقتلوه ، لما أيقن خبيب بالموت ، قال دعوني أصلي ركعتين ، فتركوه فركع ركعتين ، ولما انصرف من صلاته قال : كنت أريد أن أزيد ، وكنت أحب أن أطيل القيام أمام ربي ، ولكني خشيت أن تقولوا : يريد خبيب أن يتأخر عن الموت ، فيطيل الصلاة .وها أنا ذا واقف أمامكم فاصنعوا مابدا لكم ، ثم قال : اللهم أحصهم عددًا ، واقتلهم بددًا ، ولا تبق منهم أحدًا ، ورفعوا خبيب على الخشبة وقاموا حوله يطعنونه بالرماح ويتفرجون عليه ، ما أجمله من راكب ، وما أقبحهم من متفرجين ، بعدما طعنوه بالرماح  ومزقوا جلده ، وقطعوا لحمه حبوا أن يمتحنوا ولاءه للنبي صلّ الله عليه وسلم .فسألوه : بالله أخبرنا يا خبيب ، أتحب أن محمدًا مكانك ؟ ، صرخ بأعلى صوته ، وقال : والله ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدمه ، رحمة الله عليك يا خبيب ، لقد سننت سنة للمحبين ، وتركت ذكرًا في الآخرين .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك