إن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة من عباده المخلصين ، حتى لو أتوا بذنوب كزبد البحر ، فهو الغفار الرحيم الذي ما رد باب في وجه سائل قط ، وما انتقم إلا من كل جبار أثيم ، ولرحمة الله سبحانه وتعالى صور كثيرة لعل أعظمها يتجلى في هذه القصة ، التي رواها أبو سعيد الخدري عن رسول الله صل الله عليه وسلم .والقصة لرجل قاتل ، مذنب كان يعيث فسادًا في الأرض قتل تسع وتسعون نفسًا ، ثم هداه والله ، ورغب في التوبة ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدله الناس عليه ، ولما أتى أمامه قال : لقد قتلت تسع وتسعون نفس ، أما لي من توبة؟فاستنكر الشيخ توبته ، وقال له : لا توبة لك ، فالقاتل في النار ، فأظلمت الدنيا أمامه ، وقتل ذلك الشيخ ؛ ليصير بذلك عدد قتلاه مائة نفس ، ثم أخذ يبحث عن شخص يضيء له الطريق ، ويخبره بقبول التوبة ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ثانية ، فدله الناس على رجل صالح ، فذهب إليه ، وسأله : لقد قتلت مائة نفس ، أما لي من توبة ؟فقال له الشيخ : بالطبع لك ، فالله لا يرد سائلًا ، ويقبل توبة التائبين ، اذهب إلى أرض كذا ، وكذا ستجد الناس هناك يعبدون الله ، اذهب إليهم ، واعبد الله معهم ، ولا تعد إلى أرضك ، إنما هي أرض سوء .وبالفعل نفذ الرجل نصيحة الشيخ ، وسار في طريقه إلى الأرض التي رغب ، وفي منتصف أتاه الموت ، فاحتارت الملائكة في أمره ، أي مصير سيلقاه هذا الرجل ، واختصم فيه ملائكة العذاب مع ملائكة الرحمة ، أيهما يقبض روحه ، فقالت ملائكة الرحمة ، لقد أتى الله بقلب تائب ، ووجهته أرض تعبد الله .وقالت ملائكة العذاب ، ولكنه لم يعمل في دنيته خير قط ، فأتاهم ملك في صورة أدمي ، فجعلوه حكما بينهم ، فقال قيسوا الأرض ما بين وجهته التي نشدها ، وأرضه التي خرج منها ، وإلى أيهما هو أقرب ، فإن كان أقرب لأرض التوبة قبضته ملائكة الرحمة ، وإن كان أقرب لأرض الفساد قبضته ملائكة العذاب.فلما قاسوا بين الأرضين وجدوه أقرب لأرض التوبة ، فقبضته ملائكة الرحمة ، وغفر له ، ورزق حسن الخاتمة لأنه تاب إلى الله بقلب سليم .عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ، فَقَالَ : لا ، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ . فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَتْ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ” .