كلمة المنافق مأخوذة من نافقاء اليربوع ، وهو حيوان أشبه بالفأر ويعيش في سراديب الجبال ، ويصنع لنفسه فتحتا عدة تمكّنه من لخروج والدخول ونصب الفخاخ لأعدائه ، فعندما يهاجمه حيوان ما فإنه يدخل من باب ويخرج من الآخر ، بينما يضيع مهاجمه ويتيه داخل تلك السراديب المتعددة.وهذا هو حال المنافق تجده متعارضًا مع نفسه دائمًا ، ينطق بما لا يؤمن به لسانه ، فالمؤمن والكافر ينطق كلاهما بما يحوي قلبه ، المؤمن ينطق بما يملأ قلبه ونفسه منسجمة ، والكافر ينطق بما يملأ قلبه من غل وحقد ، بينما يتخبط المنافق بين هذا وذلك ولا ينطق بما يعتمل في نفسه قط ، وعندما يتعارض كل من القلب واللسان ، لا يجد المنافق راحة نفسية أو انسجام واتساق مع ما يكنّ قلبه.ويقول المولى عزوجل في كتابه الكريم بسورة الفتح الآية 29 ؛ { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} ، والشدة هنا ليست غرورًا ، ولكنها طبع وخصلة داخل البشر ، فلو كانت غرورًا لبقيت كما هي ، وإنما يقول الله سبحانه وتعالى ، بأن المؤمنين أشداء على الكفار ، ولكنهم أذلاء على المؤمنيين لا يتكبرون عليهم قط ، وهذا ليس نفاق أو تقلب بين الشيئين ، وإنما الإيمان لا يمكن أن يبق في قالب جامد ، فالإيمان يعطي المؤمن مرونة ولين أمام العديد من الأحداث ، فنجده ليس شديدًا على إطلاقه ، فهناك مواقف تتطلب الرحمة في التعامل مع المؤمن ، وأخرى لابد فيها من الشدة أمام الكفر .وكان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، معروفًا بأنه شديد البكاء من خشية الله ، ويمتلئ قلبه رحمة بالمؤمنين من حوله ، وعندما حلت بهم حرب الردة لمن منعوا الزكاة ، جلس سيدنا أبو بكر ، إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، وتشاورا في الأمر حيث كان رأي الفاروق رضي الله عنه ، ألا يقاتلوا من امتنع عن الزكاة ؛ لأنهم قالوا لا إله إلا الله .بينما قال بو بكر الصديق ، والله لأقاتلن من منع الزكاة ، فالصلاة والزكاة حق المال ، وأنهم لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، لقاتلتهم على منعه ، وكان هذا رأي أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، المعروف عنه بأنه كثير البكاء من خشية الله ، حيث أعلن في قوة وشدة أنه سوف يقوم بمقاتلة الخارجين على حدود الله عزوجل ، ولو أن هذا الأمر قد ظهر من عمر لكان الناس قالوا أنها شدة قد ألفوها جميعًا ، ولكن أن يأتي هذا الفعل من أبي بكر شديد البكاء واللين ، فهو يعني أن المؤمن لابد له من شدة في مواجهة أي كفر.وهنا نجد أن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، مجبول ومطبوع على الرحمة من الأساس ، ولكنها ليست رحمة مطلقة ، فالشدة مطلوبة في الدين ، والحمرة مطلوبة في الدين ، وكذلك العزة والذل ، كلهم للدين فيقول المولى عزوجل في كتابه الكريم بالآية 49 من سورة الأنفال ؛ {غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }، ذلك أن هذا الغرور يأتي من نفاقهم ، ودليل ذلك أن المؤمنين يتوكلون دائمًا على الله ويتم نسب ذلك إلى المولى عزوجل في نفس الآية الكريمة فيقول ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، وما دام الله عزيزًا فالذي آمن به عزيز .