هو صفوان بن سليم المدني أبو عبد الله القرشي الزهري ، وهو عابد زاهد وفقيه ضرب فيه المثل بالصبر على البلاء حتى أن صيته ذاع في البلاد وكان الله يقبل دعوة كل من يدعو ه بصبر القرشي ، ويقول الله عزوجل في سورة الكهف عن شيمة الصبر : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
سورة الكهف ، الآية 28)وكان للقرشي الصابر قصة عجيبة وقعت في القرن الرابع الهجري ، كان هذا العابد الزاهد من مكة وكان متزوجًا من امرأة سليطة اللسان ، سيئة الخصال لم يعش معها يومًا سعيدًا ولكنه كان صابرًا محتسبًا أمره لله عزوجل ، وظل أبو عبدالله القرشي صابرًا عليها ستة وعشرون عامًا وهي لا تتغير سليطة اللسان ، وتؤذيه وتعامله بطريقة فجة .ورغم ذلك كان لا يشتكي منها لأهلها ولا حتى لأقرب الناس إليه ، ولكنه شعر بعد هذا العمر الطويل معها بحاجته للراحة بعيدًا عنها لفترة فهو لم يكن يريد أن يطلقها ، وقرر أن يظل صابرًا عليها لأنه أنجب منها خمسة أولاد وكان يريد أن يحافظ على بيته وعلى أبناءه .لهذا قرر أبو عبدالله القرشي الصابر أن يخرج شهر في سبيل الله بعيدًا عن منزله وعن تلك الزوجة سليطة اللسان ، فترك مكة وذهب هائمًا على وجهه فوجد جبلًا ووجد به بعض الأشخاص ، فصعد إليهم وسألهم ماذا تفعلون هنا في هذا المكان ؟ فأخبروه أنهم يصومون النهار ويقومون الليل بعيدًا عن الناس وعن مشاكل الحياة وصخب تلك الحياة الدنيوية .وأخبروه أيضًا أنه كان لديهم قطيع من الغنم ولكن هذا القطيع الصغير مات ، وأنهم ينتظرون فرجًا من الله أن يرزقهم عوضًا عنه ، فطلب منهم أن يقيم معهم في تلك العزلة بعيدًا عن صخب المدينة ، فرحبوا به ولم يسألوه عن اسمه ولا من أين أتى ، وفي أول ليلة له معهم صلوا صلاة العشاء ، وبعد الصلاة طلبوا منه أن يدعوا لكنه أخبر أحدهم أن يقوم هو بالدعاء .فدعا واحد منهم أن يرزقهم الله بالطعام والشراب ، فاستجاب الله لدعواه حيث مر عليهم رجل بماء وطعام فأكلوا وشربوا حتى شبعوا ، وفي اليوم الثاني طلبوا منه الدعاء ولكنه طلب منهم هم أن يقوموا بالدعاء ، فدعا أحدهم فاستجاب الله عز وجل لدعواه أيضًا ومر عليهم رجل بطعام وماء فشربوا وأكلوا .فتعجب عبد الله القرشي من ذلك فكلما دعوا دعوة استجاب الله لهم على الفور ، وفي اليوم الثالث سألهم بأي شيء يدعون قائلًا : أنتم تدعون الله فيستجيب بمجرد أن تنتهوا من دعائكم ، أريد أن أعرف بماذا تدعون ؟فقالا له نحن نعرف بأمر رجلًا يسمى أبو عبد الله القرشي رجلًا صابرًا على زوجته ستة وعشرين عامًا رغم ما تفعله مع زوجته من أشياء سيئة ، ونحن كلما دعونا ندعو الله أن يرزقنا بصبر هذا الرجل علي زوجته فيرزقنا الله عزوجل بغير حساب ، قالوا هذا وهم لا يعرفون أنه هو أبوعبد الله القرشي نفسه .حينها نزل أبوعبد الله من على الجبل وعاد إلى بيته وقال لنفسه : أنا يستشفع بي عند الله عز وجل لصبري على البلاء ، وأهرب من هذا ؟ فقد علم القرشي أن الله يحبه ويعلم مدى صبره على زوجته وحلمه عليها ، وعلم أن المكافئة على صبره هي من رب العباد ، كما يقول الإمام الشافعي عن الصبر :دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ **** وطب نفساً إذا حكمَ القضاءُ
وَلا تَجْزَعْ لنازلة الليالي **** فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ
وكنْ رجلاً على الأهوالِ جلداً **** وشيمتكَ السماحة ُ والوفاءُ
وإنْ كثرتْ عيوبكَ في البرايا **** وسَرّكَ أَنْ يَكُونَ لَها غِطَاءُ
تَسَتَّرْ بِالسَّخَاء فَكُلُّ عَيْب **** يغطيه كما قيلَ السَّخاء