عندما تتخذ قرار الموت فهل سيقف أمامك أحد ؟ هذا هو السؤال الذي أجابه البطل الفدائي المسلم عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه في معركة اليرموك ، نسمع في عصرنا الحاضر عن فرق العمليات الخاصة وفرق الموت والصاعقة ولكن ما فعله عكرمة ورفاقه يوم اليرموك لا يستطيع أن يفعله إلا قلب آمن بالله وبرسوله وضحي بنفسه في سبيل دعوته .ففي تلك المعركة العاصفة التي كان قائدها خالد بن الوليد رضي الله عنه ، والتي تعد من أقوي المعارك في التاريخ الإسلامي كله ، ومن أكثرها ضراوة ، أبلى المسلمون بلاءً حسنًا فقد مضى بتلك المعركة العصيبة ثلاث أيام حتى جاء اليوم الرابع ، وقد عزم الروم على أن يكون هذا اليوم هو الفاصل ، ولنتخيل معًا كم كان عدد المسلمين وكم كان عدد الروم وما شكل جيش المسلمين يومها ؟لقد كان الروم 240 ألف مقاتل مدججين بكل أنواع الأسلحة ، وكان جيش المسلمين 36 ألف مقاتل مسلم فقط ، ورغم ذلك صمد الجيش وقاتل قتالًا مريرًا خلال الثلاث أيام الأولى وكان المقاتل المسلم بعشرة من الروم ، ولأنه لم يكن هناك تكافؤ في العدد انكشفت ميسرة الجيش الإسلامي .وكان الصحابي الجليل خالد بن الوليد قد قسم الجيش إلى ميمنة بقيادة عمرو بن العاص ، وعلى الميسرة يزيد بن أبي سفيان وفي القلب أبو عبيدة بن الجراح وفي المؤخرة أبي عبيدة والخيالة يقودها خالد بن الوليد ، وهي القوة التي تتحرك بسرعة لترجح كافة أي منهم في وقت الحاجة لها ، وكان بين القلب والميسرة عكرمة بن أبي جهل ، هكذا كان شكل جيش المسلمين يوم اليرموك .ودار القتال العنيف يومها وانكشفت ميسرة الجيش الإسلامي ، وظهرت بوادر الهزيمة من تلك الناحية وأيضًا كان الضغط يزداد على القلب ، وهذا جعل خالد وكتيبة الخيالة تساندهم لأن القلب هو محور المعركة كلها ولو سقط لانهزم الجيش كله ، فقاتل سيدنا خالد بالقلب مع كتيبة الخيالة قتالًا شديدًا ، ولم يكن يستطيع أن يترك القلب بجنوده لينقذ الميسرة .وهنا انطلق الفارس المغوار وهو عكرمة بن أبي جهل وقرر أن يقتحم صفوف الكفار ، فنادى عليه سيدنا خالد بن الوليد لا تفعل يا عكرمة فإن قتلت سيكون هذا شديدًا على المسلمين ، فقال عكرمة :
إليك عني يا خالد فلقد كان لك مع الرسول صلّ الله عليه وسلم سابقة ، أما أنا وأبي فلقد كنا أشد الناس على الرسول فدعني أكفر عما سلف مني) .وقال عكرمة أيضًا : (يا خالد لقد قاتلت مع الرسول صلّ الله عليه و سلم في مواطن كثيرة وأفر اليوم من الروم ، هذا لن يكون أبدًا) ، ثم نادى الفدائي البطل على المسلمين وهو يقول : (من يبايعني علي الموت؟) فبايعه ابنه عبد الله وضرار بن الأزور وعمه الحارس بن هشام حتى وصل بهم العدد إلى 400 من المسلمين قرروا أن يكونوا كتيبة الموت الإسلامية ، ويا لها من كتيبة للفدائيين المسلمين الذين قرروا أن يضحوا بأنفسهم من أجل إعلاء راية الإسلام خفاقة .وقاتل عكرمة ومن معه قتال الأسود بل قل قتال الفهود ، ولم يتزحزحوا قدر أنمله ودحروا الروم وهزموهم ، ولك أن تتخيل 400 فارس مسلم يقتلون الآلاف المؤلفة من الروم يقتلونهم يمينًا ويسارًا ولا يبالون بالموت أبدًا ، ولم يكتفوا بذلك بل بعد دحرهم لجيش الروم قرر عكرمة وجنوده الهجوم على جيش الروم واقتحام صفوفهم المتراصة الكثيفة ، وقاتلوا قتالًا شديدًا وقتلوا الآلاف من الروم .وبعد نهاية هذا اليوم المشهود كان سيدنا خالد يتفقد القتلى والجرحى من المسلمين ، فإذا بصديقه الشهيد عكرمة بن أبي جهل ممدًا على الأرض يحتضر ، فقال له سيدنا خالد وهو يحمله على رجله هنيئًا لك الشهادة ومات البطل الصنديد بين يدي سيف الله المسلول ، فصرخ خالد قائلًا : (قل للقاصي والداني أن بني مخزوم لايموتون إلا شهداء على أسنة السيوف والرماح
.وقرر خالد بن الوليد بعدها أن يهزم الروم شر هزيمة فوضع خطة محكمة وعبقرية لهزيمة الروم ، حيث عزل خيالة الروم عن جيشهم وأصبح المشاة بلا حماية ، وهكذا استطاع أن يحقق عليهم النصر بفضل الله وانتقم لصديقه البطل الفدائي عكرمة بن أبي جهل ، وانتصر لدين الله سبحانه وتعالى وأعلى راية الإسلام خفاقة ، فرحم الله عكرمة بن أبي جهل المقاتل الجسور ورحم الصحابة أجمعين .