لقد أوصى الرسول صلّ الله عليه وسلم على الجار وأكد على عدم إيذائه ؛ فكان صلى الله عليه وسلم نعم الجار الذي يُحسن إلى جاره ويكرمه ، ولم تقتصر وصاياه على الجار المسلم فقط ؛ بل إنه كان بارًا بجاره اليهودي أيضًا وأوصى على كل الجيران حتى لو لم يكونوا من المسلمين .تعلم الصحابة الإحسان إلى الجار من خلال وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ حيث ورد عن عبد الله بن عمرو أنه قام بذبح شاه فقال: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِي الْيَهُودِيِّ ، فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول:ما زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حتى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» .كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمتاز بالخلق الحسن في كل صفاته وتعاملاته مع الآخرين ؛ فكان قرآنًا يمشي على الأرض يقدم للناس الخير والإحسان ، وقد ربط الرسول الكريم بين الإيمان بالله وبين إكرام الجار وأوضح ذلك من خلال قوله صلى الله عليه وسلم : وَمَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ…» (متفق عليه) .كان الرسول صلّ الله عليه وسلم يذهب ليعود جيرانه حينما يعلم بمرض أحدهم ، وقد أخبر زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه كان جارًا لرسول الله الذي بمجرد أن علم بمرضه ذهب إليه ليطمئن عليه ، وقد ورد عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أيضًا قوله عن زيارة الرسول له للاطمئنان عليه في مرضه حيث قال :”عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني” ، وقد أوضح الرسول الكريم معايير الخير التي يجب أن تتوفر في المسلم في قوله صلى الله عليه وسلم : وَمَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ…» (متفق عليه).قام الرسول صلّ الله عليه وسلم بتحذير المسلمين من قطيعة الجيران لأنهم سيختصمون يوم القيامة أمام المولى عز وجل ؛ حيث ورد عن ابن عمر أنه قد سمع الرسول صلّ الله عليه وسلم يقول : كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ ، سَلْ هَذَا لِمَ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي وَمَنَعَنِي فَضْلَهُ .أوصى الرسول صلّ الله عليه وسلم أيضًا بالإحسان إلى الجار بطريقة التودد إليه بتقديم الطعام ؛ وذلك من أجل ربط أواصر المحبة والعلاقات الطيبة ، وقد تحدث أبو ذر الغفاري رضي الله عنه عن وصية الرسول بهذا الأمر حيث قال : إن خليلي ﷺ أوصاني: «إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ ُ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ» (رواه مسلم).نهى الرسول صلّ الله عليه وسلم عن إيذاء الجار وشدّد على ذلك الأمر حتى أقسم ثلاث مرات في قوله صلّ الله عليه وسلم : والله لَا يُؤْمِنُ ، والله لَا يُؤْمِنُ ، والله لَا يُؤْمِنُ. قِيلَ: وَمَنْ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: الذي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بوائقه ، بل أكد الرسول الكريم أن الأعمال الصالحة قد تزول بأكملها إذا حدث إيذاء صاحب هذه الأعمال لجاره .حيث ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله : «قال رَجُلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ فُلانَةَ يَذْكُرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَها بِلِسَانِهَا ، قال: «هِيَ فِي النَّارِ» قال: يا رَسُولَ اللَّهِ فإن فُلانَةَ يذكر من قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا وإنها تَصَدَّقُ وَلا تؤذي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قال: «هي في الْجَنَّةِ”.أكد رسول الله صلّ الله عليه وسلم أيضًا أن الجار أولى بالحصول على المنفعة من جاره ، وقد ورد ذلك حينما جاء رجل إلي سعد بن أبي وقاص قائلًا :يا سعد بن أبي وقاص ، ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَيَّ في دَارِكَ ، فقال سَعْدٌ: والله ما أَبْتَاعُهُمَا ، فقيل له: والله لَتَبْتَاعَنَّهُمَا ، فقال سَعْدٌ: والله لَا أَزِيدُكَ على أَرْبَعَةِ آلَافٍ مقسطة ، فقال الرجل:لقد أُعْطِيتُ بها خمسمائة دِينَارٍ ، وَلَوْلَا أَنِّي سمعت النبي ﷺ يقول: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» [القرب والمجاورة] ما أَعْطَيْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ ، وأنا أُعْطَى بها خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ» (رواه البخاري).وقد تحدثت السيدة عائشة رضي الله عنها مع رسول الله صلّ الله عليه وسلم بأمر الجيران في قولها معه : يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا؟» قال: «إلى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» (رواه البخاري) ، وهكذا كانت وصايا الرسول على الجار عديدة وواضحة وتهدف إلى المحبة التي تقيم مجتمعات صالحة .