أما طسم فهو ابن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح ، عليه السلام ، وأما جديس فهو ابن كاثر بن إرم بن سام بن نوح ، فهما ابنا عم وقيل هما أخوان كلاهما ولد لاوذ ، ولما تبلبلت الألسن وتفرقت الأمم نزلت طسم وجديس أرض اليمامة واسمها يومئذ جو ، وكانت من أفضل البلاد ، وأكثرها نخيلاً وأعنابًا فغبروا بها دهرًا طويلاً وكثرت طسم وصار الملك فيهم إلى أن ملكوا عليهم عملوق بن جديس .الملك عملوق بن جديس الظلوم :
فكان عملوق ملكًا على القبيلتين معًا ، فعظم أمره وقويت شوكته ، وكان ظلومًا غشومًا ، فسام جديس من أنواع الخسف الكثير الذي يطول ذكره ، حتى إنه أمر ألا تتزوج إمرأة من جديس فتزف إلى زوجها قبل أن تُحمل إليه هو فيفترعها قبل زوجها ، فلقوا في ذلك بلاءً وذلاً كبير ولم يزالوا على تلك الحالة من الهوان حتى تزوجت غفيرة بنت غفار ، أخت الأسود بن غفار سيد جديس وكبيرها يومئذ .غفيرة بنت غفار وزواجها :
وكانت غفيرة تدعى الشموس ، فلما حانت ليلة زفافها ، انطلقوا بها إلى عملوق لينال منها قبل زوجها على عادته ومعها القيان يغنين ويلقن :أبدى بعملوق وقومي واركبي .. وبادري الصبح لأمر معجب ..
فيوق تلقين الذي لم تطلبي .. فما لبكر بعدكم من مهرب ..
ويعنوا بذلك أنها إن فعل بها ، وهي أخت سيدهم فغيرها أولى.تحريض غفيرة على الثورة ضد الملك الظالم :
فلما أدخلت على عملوق وافترغها ، وخلى سبيلها ، خرجت على قومها شاقة ثوبها عن عورتها ، ودمها يسيل وهي في أقبح منظر ، وتقول :لا أحد أذل من جديس .. أهكذا يفعل بالعروس !..
يرضى بهذا يا لقومي حر .. أهدى وقد أعطى وسيق المهر ..
لخوضه بحر الردى بنفسه .. خير من أن يفعل ذا بعرسه ..
وامتنعت عن الذهاب لزوجها ، وقالت تحرض قومها :
أيحمل ما يؤتى إلى فتياتكم .. وأنتم رجال فيكم عدد النمل ..
وتصبح تمشي في الدماء فتاتكم .. صبيحة زفت في النساء إلى البعل ..
فإن أنتم لن تغضبوا بعد هذه .. فكونوا نساء ما تفيق من الكحل ..خطة الأسود بن غفار للقضاء على الملك الظالم وقومه :
من قصيدة لها ، ولما سمع أخوها ذلك ، وكان سيدًا مطاعًا في قومه ، فقال لهم : إن هؤلاء القوم ليسوا بأعز منكم في داركم ، إلا بما كان في ملك صاحبهم ، فأطيعوني فيما آمركم به فإنه عز الدهر وذهاب ذل العمر ، والا اتكأت على سيفي حتى يخرج من ظهري ، قالوا : نطيعك ولكن القوم أكثر وأقوى منا ، قال : أنا صانع لعملوق وقومه طعامًا وأدعوهم ، فإذا جاءوا متفضلين في الحلل والنعال ثرنا عليهم بأسيافنا ، فانفردت أنا بالملك وانفرد كل رجل منكم برجل منهم .دعوة الأسود للملك وقومه :
ثم دعا الأسود القوم ، وأمر قومه باختراط السيوف ودفنها في الرمل ، حيث أعدوا الطعام ، وكان ذلك بظاهر البلد ، ثم قال لقومه : إذا أتاكم القوم يرفلون في حللهم ، فشدوا عليهم بالسيوف وابدؤا بالرؤساء .نجاح الخطة في القضاء على الملك :
فلما وصل القوم إلى المدعاة ، وثبت جديس فاستلت سيوفها وشدوا على عملوق ، وأصحابه فاستأصلوهم إلا قليلاً ثم ذهبوا إلى ديارهم ، فنهبوها .نجاة رياح بن مرة من الموقعة وسفره للاستغاثة :
ثم إن رجلاً من طسم ، اسمه رياح بن مرة ، وهو أخو زرقاء اليمامة نجا من الوقعة ، فقصد تُبّع اليمن حسان بن أبي كرب فاستغاث به ، وكان قد عمد إلى جريدة نخل رطبة ، فجعل عليها طين رطبًا وحملها معه ، واصطحب معه كلبه، فلما قرب من صنعاء ، كسر يد الكلبة ، ونزع الطين عن الجريدة فخرجت خضراء ، ودخل على حسان فاستغاثه وأخبره بالذي صنعت جديس بقومه!.الملك حسان وقرار الخروج لقتال الظلمة :
فسأله الملك من أين جئت ؟ قال : جئت أبيت اللعنة من أرض إلى جنبك ، من عند قوم انتهك منهم ما لم ينتهك من أحد ، وقصّ عليه ما حل بهم جراء غدر جديس بهم ، فقال : أمن بلدك جئت بهذه الجريدة ؟ وهذه الكلبة ؟ قال : نعم ، قال حسان : إن كنت صدقتني فقد جئت من قريب ، ووعده النصر فنادى في حمير بالمسير وأعلمهم بما حل بطسم … فخرجوا بعد مشورة بينهم استقر الرأي فيها ، أن يخرجوا لينتصروا لطسم ، وخرج الملك نفسه في مقدمتهم .تخفي الجيش من زرقاء اليمامة بأمر أخياها :
فلما كانوا في اليمامة على ثلاث ، قال رياح : أبيت اللعن إن لي أختًا متزوجة في القوم ، ترى الراكب على مسيرة ثلاثة أيام ، وإني أخاف أن تنذر القوم بك ، والرأي أن تأمر كل رجل أن يقتلع شجرة فيجعلها أمامه ، ويسير هو خلفها ، فأمرهم حسان بذلك ففعلوا .تحذير زرقاء اليمامة لقومها :
وكانت زرقاء صعدت على سطح منزلها ، فرأت الشجر يتحرك فارتابت ، ، وقالت : يا جديس لقد سارت إليكم الشجر ، أو لقد غزتكم حمير ، قالوا : وما ذلك ؟ قالت : أرى شجر من وراءها بشر ، وإني لأرى رجلاً ينهس كتفًا ، أو يخصف نعلاً ، وكان ذلك ، فكذبوها .انتقام الملك حسان من جديس :
ثم إن الملك حسان صبحهم فأفناهم وسبا نساؤهم ، وصبيانهم ، وفر الأسود بن غفار فنزل بجبلي طيء حتى قتلته طيء بعد ذلك ، ثم إن الملك حسان أمر باليمامة بنت مرة وكانت زرقاء ، فأمر بعينيها فنزعتا وإذا بداخلها عروق سود ، فسألها عن ذلك فأخبرته أنه الإثمد كانت تتكحل به ، وقيل أنها أول من اكتحل به ، فاتخذه الناس كحلاً بعدها ، وأمر بها فصلبت على باب مدينة جو .