نزل القرآن الكريم بآيات الرحمة والأمل ، فقد نزل في وقت كانت فيه بعض العادات والتقاليد السيئة التي تعود بالضرر والأذى على بعض الناس ، وكان من بين تلك التقاليد الظالمة هو أن يرث الابن زوجة أبيه بكل ما تملكه ، فكانت تعاني الزوجة بعد وفاة زوجها لأنها تقع أسيرة لابنه .مأساة كبشة بنت معن :
كانت كبشة بنت معن بن عاصم التي تنتمي إلى الأوس واحدة من النساء التي وقع عليهن ذل الأسر بعد وفاة الزوج ، لقد كانت امرأة مسلمة تعيش مع زوجها على السراء والضراء ، وكان زوجها أبو قيس متعدد الزوجات حيث أنها لم تكن الزوجة الأولى في حياته ، وقد كانت زوجته الأخيرة قبل كبشة قد ماتت وتركت له طفلًا صغيرًا .أراد أخوال الطفل أن يأخذوه كي يقوموا بتربيته بعد أن تزوج أباه من كبشة ، وذلك لخوفهم عليه من سوء معاملة زوجة الأب ، غير أن والده رفض ذلك فاشترطوا عليه أن تعامله كبشة معاملة حسنة ، فوعدهم أبو قيس بذلك مؤكدًا أن زوجته تعامل ابنه أفضل معاملة كأنها أمه ، فوافق أخوال الطفل على تركه ليعود إلى أحضان أبيه من جديد .كانت حياة كبشة مع زوجها هادئة حتى توفي ومن هنا بدأت العواصف تهب في حياة كبشة ، حيث أنها وقعت تحت وطأة تلك العادة السيئة التي تُعرف باسم “الجعل” والتي تقضي بأن يقوم الابن بعد وفاة أبيه بإلقاء ردائه على زوجة أبيه ، وبذلك تصبح ملكًا له بكل ما تملك من إرث ، حيث لا يحق لها أن تأخذ ميراثها أو تتصرف في أموالها .وهكذا تظل حبيسة عند ابن زوجها حتى يتزوجها أو حتى يتوفاها الله ، وكانت هناك من تستطيع من النساء في ذلك العهد أن تهربن إلى بيوت آبائهن بمجرد وفاة الزوج حتى لا تقعن أسيرات للأبناء ، غير أن كبشة لم تستطع الهروب ، مما جعل ابن زوجها يرمي ردائه فوقها ، وهكذا أصبحت حبيسة لهذا الابن .رحمة الإسلام في القضاء على الجاهلية :
عانت كبشة فترة طويلة في ذل ذلك الحبس وهي ممنوعة من الخروج نتيجة لتلك العادات الجاهلية السيئة ، شعرت بالحزن يشق قلبها ، فظلّت تدعو الله وتتضرع إليه في صلاتها حتى يفرج كربها وألمها الشديد وأن يرفع عنها هذا الابتلاء ، وقد كانت لديها ثقة كبيرة في أن الله تعالى سيخرجها من هذا الضيق .كانت كبشة على يقين بأن نصر الله قادم ليزيل عنها ذلك الذل ، حتى استجاب الله تعالى إلى دعواتها المخلصة ، وأنزل الله في سورة النساء الآية التي تُحرّم تلك العادة السيئة ، وذلك في قوله تعالى :” وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا”.أصبحت كبشة بنت معن هي أول امرأة تتحرر من ابن زوجها الذي حُرمّت عليه بعد نزول الوحي من الله تعالى بالتحريم ، وبالفعل تمكنت من الحصول على حقها في الميراث الشرعي ، وخرجت من ذل الأسر في بيت أهل زوجها بعد معاناة وحزن .تكريم الإسلام للمرأة :
كان العرب قديمًا يتعاملون مع المرأة على أنها كائن ثانوي بمعنى أنها تأتي بعد الرجل في كل شيء ، فكانت تُحرم من الميراث ومن كل شيء من حقوقها الشرعية ، غير أن الإسلام لم يتركها هكذا بل جاء ليكرّمها ويعطيها كافة حقوقها ، بل أمر الرجل بحسن معاملتها ، وهكذا قضى الإسلام على كل الأفكار الجاهلية التي سلبت المرأة حقها .