كان الصحابي الجليل عمران بن حصين من عظماء الصحابة رضي الله عنهم ، والذي بلغ عنه أن الملائكة كانت تسلم عليه ، فأي مكانة كان يمتلك ذلك الصحابي الجليل ليصل إلى هذا الحد العظيم من الإيمان والتقوى؟.من هو عمران بن حصين :
إنه عمران بن حصين بن عبيد بن خلف ، وقد عُرف بكنية “أبي نجيد” ، دخل الإسلام في العام السابع الهجري وهو العام الذي وقعت فيه غزوة خيبر ، وكان يعيش في البصرة ، وكان له مكانة بالغة في العظمة بعد دخوله الإسلام ، لقد كان في فراش المرض حينما أبلغ صاحبه مطرف بن عبد الله أن الملائكة كانت تُسلم عليه ، ثم أوصاه إن طال عمره فعليه أن يكتم سره أما إذا مات فليحدث به إن رغب في ذلك .كان بن حصين من فقهاء البصرة في عصره ، وقد شهد مجموعة من الغزوات ، وقد قام عبد الله بن عامر باستقضائه على البصرة غير أنه طلب أن يُعفى عنه من تولى هذه الإمارة ، وقد أخبر عنه ابن سيرين والحسن البصري بأنه لم يطأ رجل البصرة من أصحاب رسول الله صلّ الله عليه وسلم خير من أبي بكر وعمران بن حصين .موقف يدل على رجاحة عقله :
لقد ذُكر عن الحبيب المالكي موقفًا لابن حصين يدل على فطنته ، حيث ورد أن رجلًا قال له :”أما أنكم لتحدثوننا بالأمر لا نجد له ما يأصلّه في كتاب الله” ، حينها غضب عمران قائلًا :”أقرأت القرآن؟” ، فقال الرجل :”نعم فعلت” ، قال عمران للرجل :”أفوجدت فيه المغرب ثلاثًا والعشاء أربعًا والعصر أربعًا والصبح اثنين؟”، فأجاب الرجل :”لا”.سأل عمران الرجل :”فعمّن أخذتموه؟ أليس عنا أصحاب رسول الله صلّ الله عليه وسلم.. أفتجدون في القرآن (وليطوفوا بالبيت العتيق) أن طوفوا سبعًا وصلوا اثنين خلف المقام! ، فعمّن أخذتموه ؟ أليس عنا أصحاب رسول الله.. أفتجدون في القرآن لا جنب ولا جلب ولا شعار في الإسلام؟ ، فأجابه الرجل :”لا”.حينها قرأ عمران على الرجل آيات من القرآن الكريم من سورة المدثر والتي يقول فيها المولى عز وجل :” مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ “.قوة إيمانه :
ذات مرة سأل الصحابة رسول الله صلّ الله عليه وسلم قائلين :” يا رسول الله ؛ ما لنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا وزهدنا دنيانا ، وكأننا نرى الآخرة رأي العين حتى إذا خرجنا من عندك ولقينا أهلنا وأولادنا ودنيانا أنكرنا أنفسنا؟ ” ، فأجابهم الرسول صلّ الله عليه وسلم قائلًا :”والذي نفسي بيده لو تدومون على حالكم عندي ؛ لصافحتكم الملائكة عيانًا ، ولكن ساعة وساعة “.حينما سمع عمران حديث الرسول عن مصافحة الملائكة أبى أن يعيش في حياته ساعة وساعة ، بل كانت ساعته كلها لله حتى بلغ من الإيمان درجة بالغة في العظمة جعلت الملائكة تصافحه ، حيث أنه كان رجلًا يرفض أن يشغله أي شاغل عن عبادته لله تعالى.مرضه ووفاته :
عانى عمران بن حصين من المرض طيلة ثلاثين عامًا دون أن يضجر أو يمل أو يقول أف ، حيث أنه كان مثابرًا صبورًا ، وحينما كان يهون عليه الناس ما هو فيه كان يقول لهم :”إن أحب الأشياء إلى نفسي ؛ أحبها إلى الله” ، وحين أدركه الموت قال في وصيته لأهله :”إذا رجعتم من دفني ؛ فانحروا وأطعموا” ، فهو كان يعتبر موته بمثابة الفوز الأعظم نظرًا لقوة إيمانه ، وقد توفي في عام 52 من الهجرة .