إن أردت أيها الإنسان عزًا ينتظم ويفوق كل عز ، فاذهب إلى الله ، لأنه سبحانه أعزّنا فنحن خلقه ، وهذا يتمثل في أن الحق سبحانه لم يجعل الفقير يقترض ، بل قال سبحانه وتعالى (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ
صدق الله العظيم .القرض ورفع الدرجات :
وهنا يرفع الله عبده الفقير إلى أعلى درجات العزة ، العبد الفقير لا يقترض ، ولكن القرض مطلوب لله ، ومع أن المال مال الله ، فقد احترم سبحانه وتعالى عمل الإنسان الذي يأتيه بالمال ، وطلب منه أن يعطي بعضًا منه أخاه المحتاج ، ابتغاء مرضاة الله ، واعتبر سبحانه وتعالى هذا العمل إقراضًا له جلّ جلاله ، وكأن الذي يعطي المال للمحتاج يقرض الله .وفي هذا ميزة للغني والفقير ، فالغني يأخذ ميزة وشرف أنه أعطى لله ، والفقير أخذ ميزة ، لأن الله سبحانه وتعالى اقترض من أجله ، والمال ليس غاية في حد ذاته ، ولكنه وسيلة ، وعندما يمنع الغني ماله عن الفقير يكون قد جعل المال غاية فلا تنفعه .القرض الحسن :
أما إذا أعطى الغني بعضًا من المال للفقير ، فهو قد أعاد إلى المال وظيفته في أنه وسيلة من وسائل الحياة ، وأنت تشتري بالمال ما تعتقد أنه ينفعك ، فعليك أن توظفه في أكمل ما ينفعك ، وهو رضا الله سبحانه وتعالى وثوابه ، والحق سبحانه وتعالى يصف القرض بأنه حسن ، حتى لا يكون فيه منٌ ، أو منفعة تعود على المقرض ، وإلا صار في القرض ربا .أبو حنيفة وصاحب البيت المقترض :
ولنا الأسوة الحسنة في أبي حنيفة عندما كان يجلس في ظل بيت صاحب له ، واقترض صاحب هذا البيت من أبي حنيفة بعض المال ، وجاء اليوم التالي للقرض ، وجلس الإمام أبوحنيفة بعيدًا عن ظل البيت ، فسأله صاحب البيت : لماذا تجلس بعيدًا ؟أجاب أبو حنيفة : خفت أن يكون ذلك لونًا من الربا ، قال صاحب البيت : لكنك كنت تقعد قبل أن تقرضني ؟! ، فقال أبو حنيفة : كنت أقعد وأنت المتفضل عليّ بظل بيتك ، فأخاف أن أقعد وأنا المتفضل عليك بالمال .قواعد القرض التي وضعها الله :
والقرض الحسن هو الذي لا يشوبه منُ ولا أذى أو منفعة ، ولأن القرض دين وضع الحق سبحانه له القواعد ، فقال في كتابه تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ
صدق الله العظيم ، فالحق سبحانه وتعالى يحمي المقترض من نفسه ، لأنه إذا علم الدين مكتوب يحاول جاهدًا أن يتحرك في الحياة ليسد هذا الدين ، ويستفيد المجتمع من حركته أيضًا .وعندما يكتب القرض فهذا أمر دافع للسداد وحاث عليه ، لكن إن لم يكتب القرض فقد يأتي ظرف من الظروف ويتناسى القرض ، ولو حدث ذلك من شخص فلن تمتد له يد من بعد ذلك بالمعاونة في أي أزمة ، فيريد سبحانه أن يديم الأسباب التي تتداول فيها الحركة .حماية الله للحركة الاقتصادية في الإسلام :
ولذلك يقال في الأمثلة العامية : من يأخذ ويعطي يصير المال له ، ويكون مال الدنيا كله معه… ولذلك يقول الحق سبحنه وتعالى : (وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ
صدق الله العظيم ، وفي ذلك حماية للنفس من الأغيار ، ولم يمنع الحق الأريحية الإيمانية ، فقال تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ
صدق الله العظيم ، وهكذا يحمي الله الحركة الاقتصادية في الأمة الإسلامية .