يريد الله تعالى من المؤمن أن تكون له فراسة نافذة في أخيه ، بحيث يتبين أخواله بالنظر إليه ولا يدعه يسأل ، لأنك لو عرفت بالإشارة فأنت ذكي وفطن ، إنما لو لم تعرف بالإشارة وتنتظر إلى أن يقول لك ويسألك ، إذًا فعندك تقصير في فطنة النظر .الفطانة الإيمانية :
والله سبحانه وتعالى يريد من المؤمن أن يكون فطن النظر ، بحيث يستطيع أن يتفرس في وجه اخوانه المؤمنين ، فيعرف من عليه هم الحاجة ، ومن عنده خواطر العوز ، فإذا ما عرف هذا يكون عنده فطانة إيمانية .قصة العارف والطارق :
ولنا العبرة في تلك الواقعة ، فقد دق أحدهم الباب على أحد العارفين ، فخرج ثم دخل وخرج ومعه شيء فأعطاه الطارق ، ثم عاد باكيًا فقالت له امرأته : ما يبكيك ؟ قال : إن فلانًا طرق بابي ، قالت : وقد أعطيته فما الذي أبكاك ؟ قال : لأني تركته إلى أن يسألني .إن العارف بالله بكى ، لأنه أحس بمسئولية ما كان يجب عليه أن يعرفه بفراسته ، وأن يتعرف على أخبار إخوانه ، ولذلك شرع الله اجتماعات الجمعة ، حتى يتفقد الإنسان كل أخ من إخوانه ، ما الذي أقعده : أحاجة أم مرض ؟ أحدث أم مصيبة ؟ وحتى لا يحوجه إلى أن يذل ويسأل ، وحين يفعل ذلك يكون له فطنة الإيمان .علم الله بالعطية :
قال تعالى في كتابه الكريم : (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
صدق الله العظيم ، يجب أن تعلم أنه قبل أن تعطي قد علم الله أنك ستعطي ، فالأمر محسوب عنده بميزان ، ويجيء تصرف خلقه على وفق قدره ، وما قدره قديمًا يلزم حاليًا ، وهو سبحانه قد قدر ، لأنه علم أن عبده سيفعل وقد فعل ، وكل فعل من الأفعال له زمن يحدث فيه ، وله هيئة يحدث عليها ، والزمن ليل أو نهار .ثم يقول الحق سبحانه وتعالى مبينًا حالات الإنفاق ، والأزمان التي يحدث فيها ، وذلك في قوله تعالى في كتابه الكريم : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
صدق الله العظيم .الإنفاق سرا والإنفاق علانية :
إن المسألة في الإنفاق تقتضي أمرين : إما أن تنفق سرًا ، وإما أن تنفق علانية ، والزمن هو الليل والنهار ، فحصر الله الزمان والحال في أمرين : الليل والنهار ، فإياك أن تحجز عطية تريد أن تعطيها ، وتقول : بالنهار أفعل ، أو في الليل أفعل ، لأنه أفضل ، وتعلل فيما يعطيك الفسحة في تأخير العطاء .عدم تحديد ميعاد الإنفاق :
فقد قال تعالى في كتابه الكريم : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ
صدق الله العظيم ، أقالت الآية : الذين ينفقون أموالهم بالليل أو النهار ؟ لا ، لقد طلب من كل منا أن يكون إنفاقه ليلاً أو نهارًا ، وقال : سِرًّا وَعَلَانِيَةً فأنفق أنت ليلاً ، وأنفق أنت نهارًا ، وأنفق أنت سرًا ، وأنفق أنت علانية ، فلا تحدد الإنفاق لا بليل ولا بنهار ، لا بزمن ولا بكيفية ولا بحال .