كان يقوم رسول الله صلّ الله عليه وسلم بنشر دعوة الإسلام في أرجاء الأرض من أجل أن يهتدي كافة البشر إلى الدخول في الإسلام ، وخلال السنة السادسة للهجرة عزم رسول الله على إرسال مجموعة من الصحابة إلى ملوك الأعاجم ليدعوهم إلى الإسلام ، وكان يعلم النبي مدى خطورة هذه المهمة ، حيث أن رسله سيذهبون إلى بلاد يجهلون لغاتها وأهلها .قام رسول الله صلّ الله عليه وسلم بجمع أصحابه ثم قال لهم بعد الحمد والتشهد :”أما بعد فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم ، فلا تختلفوا عليّ كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى بن مريم” ، فقال الصحابة :”نحن يا رسول الله نؤدي عنك ما تريد ؛ فابتعثنا حيث شئت”.اختيار عبد الله بن حذافة :
قام رسول الله صلّ الله عليه وسلم بانتداب ستة من الصحابة إلى هذه المهمة ، وكان عبد الله بن حذافة السهمي واحدًا من هؤلاء الستة ، حيث تم اختياره ليحمل رسالة الإسلام إلى ملك الفرس ، فأعدّ نفسه لخوض الرحلة وودع أهله ، ومضى في طريقه وحده ليس معه سوى الله تعالى .وصل بن حذافة ديار فارس ، فقام بالاستئذان بالدخول بعد أن أبلغ حاشية الملك بالرسالة التي يحملها ، أذن كسرى ملك الفرس إلى عبد الله بالدخول ودعا عظماء فارس من أجل حضور المجلس ، دخل عبد الله على الملك ببساطة الأعراب وهو يرتدي عباءة صفيقة ، غير أنه كان مشدود القامة ويبدو عليه كبرياء الإيمان وشموخ الإسلام .مواجهة بن حذافة لملك الفرس :
أومأ كسرى إلى أحد رجاله ليأخذ الكتاب الذي يحمله بن حذافة ، ولكنه رفض قائلًا :”لا ؛ إنما أمرني رسول الله صلّ الله عليه وسلم أن أدفعه لك يدًا بيد ، وأنا لا أخالف أمرًا لرسول الله” ، فنظر كسرى إلى رجاله قائلًا :”اتركوه يدنو مني” ، فاقترب عبد الله حتى أعطاه الكتاب .دعا ملك الفرس واحدًا من أهل الحيرة ليقرأ عليه الكتاب ، فبدأ بالقراءة :”بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى.. ” ، حينما سمع كسرى هذا القدر من الرسالة ؛ ثار غاضبًا وذلك لأن رسول الله قد بدأ بنفسه فجذب الرسالة بقوة ومزقّها دون أن يعلم ما تحتويه ، ثم أمر بن حذافة بالخروج من المجلس .خرج بن حذافة من المجلس دون أن يدري ماذا سيُفعل به هل سيُقتل أم سيُطلق سراحه ، ولكنه لم ما لبث أن تحدث لنفسه :”والله ما أبالي على أي حال أكون بعد أن أديت كتاب رسول الله” ، ثم امتطى راحلته ومضى وحينما هدأ كسرى أمر بإحضاره ، ولكن رجاله لم يجدوا له أثرًا في أي مكان .عاد بن حذافة إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم فأخبره بما حدث من كسرى ، فقال النبي :”مزّق الله ملكه” ، وقام كسرى بالكتابة إلى نائبه على اليمن ليأمره بأن يبعث رجلين إلى هذا الرجل الموجود بالحجاز وهو يقصد رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وذلك ليحضراه إليه .وصل الرجلان المبعوثان إلى الطائف وهناك سألا عن النبي ، فعلما أنه في يثرب ومضيا حتى وصلا رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، ثم أخبراه برسالة كسرى إليه كي يذهب معهما حتى لا يهلك ، فابتسم النبي قائلًا :”ارجعا إلى رحالكما اليوم وأتيا غدًا”.في اليوم التالي ذهب الرجلان إلى الرسول ثم قالا :”هل أعددت نفسك للمضي معنا إلى لقاء كسرى” ، فقال لهما الرسول :”لن تلقيا كسرى بعد اليوم ، فلقد قتله الله ، حيث سلط عليه ابنه في ليلة كذا من شهر كذا..” ، اندهش الرجلان وانطلقا إلى نائب اليمن ليخبراه بما يقول رسول الله بعد أن أكد حديثه .حينما علم نائب اليمن (باذان) ما حدث قال :” لئن كان ما قاله محمد حقًا فهو نبي وإن لم يكن كذلك فسنرى فيه رأيًا ” ، ثم ما لبث حتى علم بمقتل كسرى علي يد ابنه شيرويه ، فأعلن بازان دخوله في الإسلام ومن كان معه في بلاد اليمن من الفرس .