إن حق الجيرة حق أوصى به رسولنا الكريم ، حينما ضرب أروع الأمثلة في الصبر على جاره اليهودي المؤذي ، وزيارته له أثناء مرضه وانقطاعه عن أذيته ، وقد كان الأئمة والصحابة خير من يمشى على هدى الرسول الكريم صلَ الله عليه وسلم ، ومنهم الإمام أبي حنيفة النعمان الذي كان له قصة مع جار سكير وسيء .فقد كان لأبي حنيفة النعمان جار سكير اعتاد أن يسكر كل ليلة ، ويبدأ في الصدح والغناء والرقص بطريقة تزعج الإمام في خلوته مع ربه عز وجل ، وكان هذا الفتى حينما يسكر يغني ويقول : ‘أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر’ ، وكان يمضى ليلته كل يوم بهذه الطريقة .ولكن رغم عبثه الدائم وصخبه المستديم صبر عليه الإمام ولم يتعرض له أو حتى يوبخه ، حتى جاء يوم من الأيام لم يسمع فيه أبو حنيفة صوت جاره ، ولم يشعر بآهات الغناء والرقص فسأل عنه فأخبره الناس أن العسس قبضوا عليه ، والعسس هم فرق الشرطة في عهد الإمام ، فقد ساقوه في الليل إلى المخفر ولهذا انقطع صوته في تلك الليلة .فلما فرغ أبو حنيفة من صلاة الفجر في اليوم التالي ركب بغلته وعزم الدخول على الأمير حتى يشفع لجاره ، فلما وصل إلى بيت الأمير استأذن للدخول فأذنوا له ، وطلب الأمير منهم ألا ينزل عن بغلته حتى تطأ قدمه البساط ببيته ، ولما فعل أخذ الأمير يرحب به ويدعوه لمجلسه ، ولما جلس الإمام سأله الأمير عن حاجته .فقال له : أيها الأمير لي جار اسكاف أخذه العسس ليلًا هلا أمرت بإطلاق صراحه والعفو عنه ، فلبى الأمير رغبة الإمام وقال له نعم هو وكل من قبض عليه ليلتها حتى يومنا هذا ، وبالفعل أطلق الأمير سراحهم جميعًا ، فركب أبو حنيفة بغلته وغادر وخلفه الإسكافي سائرًا ، فلما نزل أبو حنيفة توجه إليه .وقال له : يا فتى هل أضعناك ؟ فقال الجار السكير : لا بل حفظت ورعيت جزاك الله خيرًا عن حرمة الجوار ورعاية الحق ، ومن وقتها تاب الرجل ولم يعد سكره ومجونه حتى مات ، وقد كان السبب في توبته تلك ما فعله معه الإمام الجليل الذي لم يضق ذرعًا بصخب جاره وسوء أخلاقه ، بل على العكس دعمه ووقف إلى جانبه وأنقذه من يد الأمير .