قصة عزل خالد بن الوليد عن قيادة الجيوش في بلاد الشام

منذ #قصص دينية

تتباين روايات المصادر حول سبب عزل عمر بن الخطاب ، خالدًا بن الوليد عن إمارة جيوش المسلمين في بلاد الشام ، والواقع أن موضوعًا كهذا لا يجب أن يكون مثيرًا للجدل ، لأن المسألة تتعلق بحدث منفرد ، لا يمس على نحو مباشر سوى ثلاث شخصيات ، هم : خالد بن الوليد ، عمر بن الخطاب ، وأبي عبيدة .انقسام دوافع العزل لثلاث دوافع حسب المصادر :
ويبدو أن إثارة الجدل تكمن في فشل المؤرخين في التوفيق بين الأقوال المتباينة ، التي اصطنعوها هم أنفسهم خلال سردهم للأحداث ، ويمكن إجمال دوافع العزل كما جاءت في المصادر إلى ثلاث دوافع نذكرها كالتالي .الدافع الأول لعزل خالد بن الوليد :
والدافع الأول هو ضغينة قديمة بين عمر بن الخطاب تجاه خالد بن الوليد ، إن كثير من المؤرخين يقتصرون على إيماءات ملتبسة كثيرة تبلغ ذروتها في قول عمر أنه لو صارت إليه الخلافة لعزل خالد بن الوليد لا محالة .فإلى جانب ما تقدمه المصادر من قضية مالك بن نويرة ، تبرز تأويلات خالد بن الوليد في أيام خلافة أبي بكر الصديق التي عدّها عمر بن الخطاب أخطاء ،بالإضافة إلى كلام صدر عن خالد بن الوليد بحق عمر بن الخطاب ، أنه ألحق أذى جسدي بعمر أيام صباه ، وأنه أبقى عليه إرادة وقصد في معركة أحد .وربما كان هذا يمثل الخلفية المتعلقة بمطلب عمر بن الخطاب بأن يكذب خالد نفسه ، فقد روى الطبري عن ابن إسحاق :

إنما نزع عمر خالدًا في كلام كان خالد قد تكلم به فيما يزعمون ، ولم يزل عليه ساخطًا ولأمره كارهًا في زمان أبي بكر الصديق كله لوقعته باين نويرة ، وما كان يعمل به في حربه ، فلما استخلف عمر بن الخطاب كان أول ما تكلم به عزله ! فقال : لا يلي لي عملاً أبدًا ، وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة ، يقول :

إن خالد أكذب نفسه فهو أمير على ما هو عليه ، وإن هو لم يكذب نفسه فأنت الأمير على ما هو عليه

.الدافع الثاني لعزل خالد بن الوليد :
والدافع الثاني لعزل خالد بن الوليد من قيادة الجيوش في الشام ، هو قلق عمر بن الخطاب ، من تعلق الناس بشخص خالد بن الوليد ، ويظهر هذا الدافع في روايات متعددة ، ولما وليّ عمر بن الخطاب ، قال :

لأعزلن خالدًا حتى يعلم أن الله ينصر دينه) .وقال إني لم أعزله والمثنى عن ريبة ، ولكن الناس عظموهما ، فخشيت أن يوكلوا إليهما .. وفي رواية : إنما عزلتهما ليعلم الناس أن الله نصر الدين ، لا بنصرهما ، وأن القوة لله جميعًا .الدافع الثالث لعزل خالد بن الوليد :
والدافع الثالث هو العناد والتصرف بالمال وغنائم الحرب : اعتذر عمر بن الخطاب إلى الناس بالجابية عم عزل خالد بن الوليد ، فقال :

أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين ، فأعطاه ذا البأس والشرف واللسان ، فنزعته وأمّرت أبا عبيدة) .وتجري رواية أنه قال :

ما كرهت ولاية خالد بن الوليد على المسلمين ، إلا لأن خالدًا فيه تبذير بالمال ، ويعطي الشاعر إذا مدحه ، ويعطي للمجد والفارس بين يديه فوق ما يستحقه من حقه ، ولا يبقى لفقراء المسلمين ولا لضعفائهم  شيئًا ، وإني أريد عزله وولاية أبي عبيدة مكانه) .وفي حوار جرى بين عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب ، ينتقد فيه الثاني الأول بسبب عزله خالدًا ، فيدافع عمر بن الخطاب عن نفسه قائلاً : إن خالدً أبى أن يعِده بالكف عن صنوف عناده .. وكان عمر بن الخطاب يدعوه إلى أن يستعمله ، فيأبى إلا أن يخليه يعمل ما يشاء ، فيأبى عمر بن الخطاب .تعقيب على حادثة العزل :
تبدو الأسباب المبنية على عداوة قديمة واتهامات شخصية واهية ، ولا تثبت أمام النقد البناء ، ثم إن قضية عزل أقدر قادة المسلمين من منصبه بسبب أذى جسدي تبقى مدعاة للاستهزاء ، حيث لا يسعنا الأخذ بها نظرًا لما اشتهر به عمر بن الخطاب من عدالة ونزاهة وترفع عن الصغائر ، وجرأة في قول الحق .تتسم روايات التي تذكر قلق عمر من تعلق الناس بشخص خالد بن الوليد بالأهمية ، مما قد ينعكس سلبًا على إيمان المجتمع الإسلامي ، بفعل ما قد ينسبه الناس إليه من أسباب النصر ، وفي هذه الحالة تغدو غيرة المسلمين على عقيدتهم وثباتهم عليها بعد وفاة النبي موضعًا للتساؤل ، والمعروف أن خالدًا لم يكن سجل كامل انتصاراته .لا تتخذ المآخذ التي أُخذت على خالد فيما يتعلق بتوزيع الغنائم ، بإثراء غير مشروع ، وإنما نتيجة قراراته المتسمة بالعناد ، سواء أكان ذلك عائدًا إلى إخلاله بمبدأ المساواة أو لأنه خصّ الشخصيات المرموقة أو المقاتلين ذوي الشجاعة أنصبة أعلى ، أو لأنه تفرّد باتخاذ قرارات مفصلية دون العودة إلى المدينة .وتوحي الروايات أن الخليفة كان القائد العام للمسلمين وهو يدير العمليات العسكرية ، من المدينة ، بواسطة تبادل الرسائل مع قادته في ميدان القتال ، وجاءت عملية العزل كمحاولة جدّية لعمر لكي ينهي المحلية السائدة في عمليات الفتوح ، ولكي يحصر القرار والقيادة الفعلية في يد الخليفة ، أي في يد مركز السياسي .لا يمكننا الركون إلى أي الدوافع المذكورة ، وبخاصة إذا علمنا بأن عمر ترحّم على خالد بعد وفاته وأثنى عليه بكلمات تدل على الاعتذار ، فقال : (رحم الله أبا سليمان ، لقد كنا نظن به أمورًا ما كانت) .دوافع خاصة لمسألة العزل :
ويبدو أن مسألة العزل قد تكون لها دوافع خاصة متعلقة بها ، أولاً مصلحة الأمة : فعزل قائد أو والٍ كان أمرًا طبيعيًا آنذاك ، ولم يكن تعيين أبي عبيدة إساءة ، إلى خالد بمقدار ما كان محاولة من الخليفة للتأثير بنفسه على مجريات الأمور .ثانيا تغيير الظروف السياسية من واقع الحكام ، ثالثا تغير الظروف العسكرية : نتيجة توغل المسلمين في بلاد الشام وما يمكن أن ينتج عنها من نظام جديد مثل فتح المدن ، وتنظيم عمليات الفتح ، والعلاقة مع سكان البلدان المفتوحة ، إذ أن الوضع الجديد المتوقع بحاجة إلى رجل إداري ومسالم كأبي عبيدة ، وتنم عملية العزل عن براعة سياسية لعمر بن الخطاب ، ويستوقفنا في ذلك عهود الصلح التي أبرمها أبي عبيدة مع سكان المدن المفتوحة .ظلت مكانة خالد بن الوليد محفوظة من قبل عمر بن الخطاب وأبي عبيدة ، على الرغم من حادثة العزل ففي الرسالة التي أرسلها الأول إلى الثاني عقب توليه الخلافة ، أوصاه باحتباس خالد إلى جانبه

.. فإنه لا غني بك عنه ..) وكان أبي عبيدة يستشيره في كل أمر ، ويأخذ برأيه بل ويأتمر بأمره ، ويقول له

قل ما علمّك الله

.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك