كان يتوجب على المسلمين في بعض الظروف أن يقوموا بالاحتفاظ بالأسرى ، ولكن الدين الإسلامي الحنيف هو دين الرحمة ، لذلك كانت الأخلاقيات الفاضلة لرسول الله صلّ الله عليه وسلم تظهر بوضوح في تعامله مع هؤلاء الأسرى ، فما هي مظاهر رحمته عليه أفضل الصلاة والسلام بالأسرى .وصية الرسول الخاصة بالأسرى :
لقد حثّ الرسول صلّ الله عليه وسلم بحسن معاملة الأسرى ، وذلك منذ أول غزوة حصل فيها المسلمون على بعض الأسرى ، حيث قال النبي الكريم وهو يوصي بالأسرى خيرًا :”استوصوا بهم خيرًا” ، فكانت هذه الوصية بمثابة القوانين التي يتم تنفيذها برحمة وإنسانية ، حيث ظهرت العديد من المظاهر والمواقف الرحيمة في التعامل مع الأسرى .إطعام الأسرى :
لم يكن المسلمون يتعاملون إلا بدستور الرحمة الذي أمرهم به الله ورسوله ، لذلك لم يتركوا الأسرى جوعى بل إنهم اهتموا بهم من هذه الناحية ، حيث أمرهم الرسول صلّ الله عليه وسلم يوم غزوة بدر بإكرام الأسرى ، فكان المسلمون يُقدمونهم على أنفسهم أثناء تناول الغداء ، وقد قام ابن جريج بالتعليق على هذا الأمر بقوله :”لم يكن الأسير على عهد رسول الله صلّ الله عليه وسلم إلا من المشركين ، وقال أبو عبيد : فأرى أن الله تعالى قد أثنى على من أحسن إلى أسير المشركين”.ملابس للأسرى :
اهتم المسلمون كذلك بأمر بكسوة الأسرى ، حيث أنهم كان يقدمون الملابس من أجلهم ، وقد قام البخاري رحمه الله بإثبات هذا الأمر في الصحيح من خلال الباب الذي أطلق عليه اسم “باب الكسوة للأسارى” ، وقد ورد فيه عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قوله :” لما كان يوم بدر أتى بأسارى وأتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب ، فنظر النبي صلّ الله عليه وسلم له قميصًا ، فوجدوا قميص عبدالله بن أبيّ يقدُر عليه فكساه النبي صلّ الله عليه وسلم إياه” ، وقد ورد كذلك أن النبي أمر بالكساء من أجل أسرى هوازن .مساكن للأسرى :
كان المسلمون يهتمون بإقامة الأسرى بأحد مكانين وهما المسجد والذي يُعد أشرف مكان بالنسبة للمسلمين ، وإما يذهبون بهم إلى بيوت الصحابة رضي الله عنهم جميعًا ، وكان هناك هدف نبيل من وضعهم في المسجد ، وهو جعلهم يراقبون المسلمين أثناء عبادتهم لعلهم يتأثرون بذلك ، وقد حدث بالفعل مع بعضهم أن تأثروا بالدين الإسلامي بشكل إيجابي كالصحابي ثمامة بن أثال رضي الله عنه .وبالنسبة لجعلهم ضيوفًا في منازل الصحابة ، فتعلق هذا الأمر بإظهار كرم المسلمين لهؤلاء الأسرى وحسن معاملتهم ، وقد ورد عن الحسن البصري أن الرسول صلّ الله عليه وسلم كان يدفع بالأسير إلى أحد المسلمين ثم يقول “أحسن إليه” ، فيستضيفه المسلم لمدة يومين أو ثلاثة وهو يُؤثره على نفسه .الرحمة بالأسرى :
إن تعذيب النفس البشرية أمر لا تقبله الفطرة السليمة ، ولكن هناك من لا يتمتع بتلك الفطرة الإنسانية ، غير أن الرسول صلّ الله عليه وسلم قد عمل على تربية المسلمين على مبدأ الرحمة في كل شيء ، حيث قال صلّ الله عليه وسلم :”من لا يرحم الناس ؛ لا يرحمه الله” ، وهو المظهر الذي تجلى في أخلاقيات الصحابة والمسلمين في التعامل مع المسلمين وغير المسلمين .وقد أمر الرسول صلّ الله عليه وسلم برحمة الأسرى وعدم إيذائهم أو تعذيبهم ، وقد أنكر النبي واقعة ضرب غلامين من قريش في الأحداث التي جرت في بدر ، حيث قال عليه أفضل الصلاة والسلام :” إذا صدقاكم ضربتموهم ، وإذا كذباكم تركتموهم ، صدقا والله إنهما لقريش” ، وهكذا تجلّت العديد من مظاهر رحمة رسول الله صلّ الله عليه وسلم والمسلمين بالأسرى في كل شيء من أمور الحياة .