تعرض اليمن بعد وفاة النبي صلّ الله عليه وسلم ، لانقسامات سياسية حادة نتج عنها اضطراب في أوضاعه ، وقد تضافرت عدة عوامل ، أجّجت الوضع الداخلي ، ولعل أهم تلك العوامل عاملان أساسيان .عوامل تأجيج الأوضاع في اليمن :
والعامل الأول هو تنافس الزعامات القبلية ، وتسابقها لاستعادة نفوذها السابق ، متأثرة بانتشار الردة في مختلف أرجاء الجزيرة العربية .. أما العامل الثاني لتأجيج الأوضاع في اليمن هو عامل العصبية .أحلام السيطرة وغضب أبي بكر الصديق :
لقد أجرى أبي بكر الصديق تعديلات في السلطة في اليمن ، فعيّن فيروزًا على صنعاء ، وداذويه ، وجشيشًا مساعدين له ، وقيس بن هبيرة على الجند ، كان الثلاثة الأوائل من الفرس في حين كان قيس عربيًا من حمير ، وراودته أحلام السيطرة على كامل مخاليف اليمن ، لذلك غضب من تدابير أبي بكر .الخشية من السيطرة وتصاعد نفوذ الأبناء :
والواقع أن قيسًا خشى من تصاعد نفوذ الأبناء ، الذي يهدد النفوذ العربي في اليمن ، فحاول استقطاب عرب اليمن جميعًا للقضاء عليهم ، وبخاصة ذي القلاع الحميري ، ولعله أدرك قيمة حمير في أحداث اليمن ، غير أن ذا القلاع لم يستجيب له ، كما لم ينصر الأبناء واكتفى بالرد عليه :
لسنا مما ها هنا في شيء ، أنت صاحبهم وهم أصحابك).ويبدو أن موقف الحمريين من هذا النزاع حتّمه واقع الظروف الدينية ، ذلك أن الأبناء كانوا مسلمين ويتمتعون بحماية المدينة ، وكل نزاع معهم قد تكون نتائجه سلبية على الوضع العام في اليمن ، وبخاصة بعد ارتداد جماعات من اليمنيين ، بحيث أضحى هذا البلد معرضًا لهجمات المسلمين من الشمال ، مما لا سبيل لليمنيين إلى مواجهته .استجابة أبناء الأسود إلى قيس :
حاول قيس بعد فشله في استقطاب الحميريين ، وإقناع أتباع الأسود العنسي ، فطلب منهم أن ينضموا إليه بفعل الأهداف المشتركة ، وهي العداء للأبناء وطردهم من اليمن ، فاستجابوا له ، وهاجمت قوى التحالف صنعاء ودخلتها ، وقتلت داذويه ، وتربّع قيس على دست الحكم ، وفرّ فيروز وجشيش إلى جبل خولان ، ملتجئين عند أخوال الأول ، وانضمت إليهما جماعات من حمير في ظل استمرار إحجام الزعماء .استصدام فيروز وقيس :
وأقدم قيس على إجلاء أسر الأبناء عن اليمن ، وحاز رضى أهل اليمن من مختلف القبائل ، مما أثار فيروز ، فاستقطب القبائل التي استمرت على إسلامها وشكل منهم قوة عسكرية واصطدم بقيس وأجلاه عن صنعاء ، وعاد أميرًا عليها ، ووافق الخليفة على ذلك ، وأمدّه بقوة عسكرية مساندة بقيادة طاهر بن أبي هالة .الخصومة القديمة بين الحجاز واليمين وتأثيرها على الأوضاع :
والواقع أن عودة فيروز إلى الحكم ، لم تحقق الأمن والسلم في ربوع اليمن ، إذ استمر الثائرون على ردتّهم ، ويبدو أن الخصومة القديمة بين الحجاز واليمن كانت حائلاً دون التواصل إلى تفاهم .وقاد عمرو بن معدي كرب جموع اليمنيين في حركة معادية للوجود الإسلامي ، وسانده قيس ، وحافظ أهل نجران على عهودهم مع المسلمين ، فلم ينضووا تحت لوائه .القضاء على الردة في اليمن :
واجه أبي بكر الصديق هذه الثورة بحزم ، فأرسل جيشين إلى اليمن أحدهما بقيادة عكرمة بن أبي جهل والآخر بقيادة المهاجر بن أبي أمية لإخضاع اليمنيين ، ويبدو أن الثائرين هالهم زحف المسلمين باتجاه بلادهم ، وشعروا بعجزهم عن التصدي لهم ، وبخاصة بعد أن دبّ الخلاف بين عمرو وقيس .وقبض الثاني على الأول وسلّمه إلى المهاجر ، فقبض هذا الأخير على الاثنين وأرسلهما إلى أبي بكر الصديق الذي عفا عنهما ، ودخل المهاجر صنعاء وتعقّب فلول المتمردين ، وعسكر عكرمة في الجنوب بعد أن استبرأ النخع وحمير ، فانتهت بذلك الرّدَة في اليمن ، وعاد هذا البلد إلى حظيرة الإسلام .