تدور أحداث القصه ، فى أحد مخيمات اللاجئين وعن كم معاناته هو وأسرته بسبب البرد والوحل والأكثر من ذلك السرقة ، السرقة التى يتعرضون لها والتي تؤدي بهم إلى الجوع ، وعن الوقوع في التمسك بقرار العيش بشرف أم السرقة .المؤلف:
الكاتب والأديب الفلسطيني غسان كنفانى 1936م – 1972م ، من أشهر الكتاب والصحافيين العرب ، تعبر رواياته وقصصه عن عمق الثقافه العربيه الفليسطينيه ، من أشهر كتاباته رجال من الشمس ، عائد الى حيفا ، أرض البرتقال الحزين ، القميص المسروق .بداية القصة:
فى يوم ممطر ملئ بالغيوم ، وسماؤه مظلمة ، رفع أبا العبد رأسه إلى السماء وهو يقاوم شتيمة كفر تكاد أن تنزلق عن لسانه ، فهذا المطر لن ينتهي اليوم ، وقد تعبت قدميه بحثًا عن عمل دون جدوى .شرد أبا العبد وفي تلك الأثناء اشتم رائحة دخان فقد أشعلت زوجته النار لتخبز الطحين ، ظل أبا العبد واقفًا خارج الخيمة يفكر فى ابنه الصغير عبد الرحمن ، وفى نظرة زوجته حين تسأله لماذا لم يجد عملًا ، وتقوم بذكر له اسم فلان وعلان وكيف وجدوا عملًا وهو لا ، وشرد وهو يفكر فى نظرتها التي سوف ترمقه بها ، وهي أبلغ من أي لوم تجيبه به ، ماذا سيفعل ليحل مشاكله أيسرق !!.فكره:
وتسأل أبا العبد ، وماذا إن سرق ، فمخازن منظمة الغوث الدوليه قريبه من الخيام ، فإن قرر أن يبدأ فهو يستطيع أن ينزلق إلى حيث يتكدث الطحين والأرز من ثغرة ما ، فالمخازن ليست ملكًا لأحد ، إنه أتى عن طريق ناس قال عنهم أستاذ المدرسة لابنه عبد الرحمن (أنهم يقتلون القتيل ويمشون فى جنازته
.فماذا لو سرق كيس طحين وباعه وكسب من ماله ، واشتدت الفكره أكثر فى رأسه وعقد بالفعل العزم فالجو مهيأ تمامًا للتنفيذ ، الحارس نائمًا طوال الوقت وظلمة الليل ستملأ المكان .تنفيذ خطة السرقة:
وبالفعل توجه إلى المخازن ، وأخذ يبحث عن ثغرة ليدخل بها المخزن ، وفى تلك الأثناء سمع صوت يناديه ماذا تفعل يا أبا العبد ، وميز الصوت إنه أبو سمير ، ذلك الثرثار ، فهو لا يحبه منذ زمن طويل ، فرد عليه متلعثمًا بأنه يحفر خندقًا .ضحك أبو سمير بخبث ، وقال له انك بالتأكيد تبحث عن الطحين ، إن توزيع الحصة سوف يتأخر لخمس عشرة أيام قادمة ، إلا إذا كنت تريد استعارة كيس أو كيسين من الطحين ، تلعثم أبا العبد وأكد على أنه يريد أن يحفر خندقًا بالفعل ، ودار بينهم حديث عن العمل ، وتساءل أبا العبد بينه وبين حاله ، لماذا لا يرحل هذا الثرثار ويتركه .سبب المعاناة:
وبعدها اقترب أبو سمير من أبا العبد وقال له فى صوت خافت ، يا أبا العبد إذا رأيت كيس أو كيسين طحين تسير فى الظلام فلا تتعجب ، فإن أكياس الطحين تخرج وحدها من المخزن وتسير فى الظلام مشيرًا بكف يده إلى مكان ما فى المخزن ، فقال له أبا العبد أأنت مجنون ، رد عليه أبو سمير قائلًا : بل أنت المسكين ، انظر يا أبا العبد لابد أن نخرج أكبر عدد من أكياس الطحين من المخزن فالحارس سيمهد لنا كل شيء كما يفعل دائمًا .والذي يتولى البيع الموظف الأشقر الموجود فى الوكالة ، نظر له أبا العبد فاندهاش وتعجب مرة أخرى ، فأكمل أبو سمير حديثه قائلًا لا تتعجب ، إن كل شيء ممكن ، فإن الأميريكيّ هو الذي يقوم بالبيع ويقبض وأنا أقبض والحارس يقبض ، وأنت سوف تقبض كل حسب الاتفاق فما رأيك ؟؟القضية:
شعر أبا العبد بأن القضية أكبر وأشد تعقيدًا من سرقة كيس طحين ، أو أكثر شرد أبا العبد قليلًا ، وراوده مشهد حين عودته إلى المخيم ، وبيده قميص جديد لعبد الرحمن وأغراض أخرى لزوجته ، بعد هذا الحرمان الطويل ، ولكن إذا فشل فسيكون مصيره أسود ، ومصير ابنه وزوجته كذلك .ولكن نجاح المغامرة سوف يحل مشكلة عبد الرحمن المتكوم فى جانب من الخيمة يرتعش من البرد ، وسيحل نظرة زوجته التي تتساءل يوميًا لماذا لم تجد عملًا مثل الآخرين ، وقاطعه أبو سمير مره أخرى فقد سطع القمر فى السماء وشق طريق وعرًا ، ولابد أن يقوموا بالمهمة ، بأسرع وقت قبل أن تشرق الشمس ، فتساءل أبا العبد منذ متي وأنت تتعامل مع هذا الموظف الأميريكيّ ، فقاطعه أبو سمير هل تحقق معي أم تريد القيام بالمهمة وتأخذ أجرك .وشرد أبا العبد فى حاله ، عندما كان يذهب الموظف الأميركي ذو العينان الزرقاوتان إلى المخيمات ، ويخبرهم بأن توزيع الطحين سوف يتأخر لمدة عشر أيام ، وكان هو يعود ليخبر زوجته بصوت خزيل كم كانت مؤلمة نظرة زوجته إلى كيس الطحين الفارغ .وعن المدة التى سوف ينتظروها لكى يأكلوا خبز ، فذلك الأمريكيّ كان يقوم ببيع أكياس الطحين ، ويؤجل التوزيع على المخيمات ، فغص أبا العبد وأحس بقرف شديد ، وهو يتذكر كم الأسر التي كانت تعاني من الجوع ، لمدة أكثر من عشر أيام دون طعام أو كسرة خبز ، بسبب هذا الموظف الأميريكيّ وبسبب أبو سمير الواقف أمامه ، بتلك الابتسامة الخبيثة التي تعتلى طرف شفتيه .الصحوة :
ولم يشعر أبا العبد بنفسه إلا وهو يرفع الرفش الذي كان يحفر به فى الأرض ، وهوى به على رأس أبو سمير بعنف شديد ، ولم يدري أيضا كيف جرته زوجته بعيدًا عن جسد أبو سمير وهو يصيح فى وجهها أن الطحين لن يتأخر توزيعه هذا الشهر .كل ما أحس به أنه وجد نفسه داخل خيمته يتقطر من ماء المطر ومملوء بالوحل ، وضم إلى صدره ابنه عبد الرحمن ، وهو مازال يرغب فى أن يري وجه ابنه الهزيل الأصفر مبتسم وهو يري القميص الجديد ، فأجهش بالبكاء .