صدرت هذه وراية يافا تعد قهوة الصبباح لأول مرة عام 2012م ، من مؤسسة دار النشر العربيه ببيروت ، تدور أحداث الرواية في مدينة يافا ، في فترة أربعينات القرن الماضي ، عن قصة حب تجمع بين أرسقراطي فلسطيني وبين فتاة فلاحة فلسطينية .المؤلف:
أنور حامد من مواليد فلسطين عام 1957م . فى بلدة عنبتا فى الضفة الغربيه ، صحفي وروائي وشاعر وناقد أدبي ، يكتب بثلاث لغات العربيه والانجليزيه والمجريه ، ومن أشهر مؤلفاته (حجارة الألم ، شهرزاد تقطف الزعتر فى عنبتا ، جسور وشروخ وطيور لا تحلق ، جنين 2002 ، والتيه والزيتون)قصة الرواية :حكاية الحكاية :
يبدو أن الموضوع لا يؤرق محمود عباس على ما يبدو ولا يقض مضجع النمر ، الذى دوخ فرقة المستعربين فى الانتفاضة الأولى ، ولم تستطع القاء القبض عليه ، ثقة الأستاذ أديب لا يهزها شيء ، وكذلك حماسة جارتنا أم محمد للحاق المغتصب .أما أنا فلم أعد أحس اننى أقف على أرض صلبة ، ليس فيما يتعلق بقناعتي الشخصيه ، بل بقدرتنا على ايصال الحقيقة للآخرين بقناعتنا وحدها ، ومايعنينا من الآخرين ، يستنكر كثيرا من أبناء الوطن الطيبين بحماسة لن تساعدنا كثيرًا حتى الآن ، فضلًا عن ذلك فموقفنا متذبذب ، حين يتمكن بعض الأوروبيين بمجهودهم الخاص من الوصول الى حقيقة ما يجرى فى بلادنا .يواجهون بحفاوة وترحاب ، من أولئك الذين يتبجحون بأن رأى الآخرين لا يهمهم ، أما حين يتعلق الأمر بأعمال تحرج أولئك الذين يتظاهرون فى ليالي البرد القاسية ، فى ميدان الطرف الأغر تضامنا مع غزة ، فتجد جماعتنا يحتدون ويتبرأون من الأجانب الذين لا يفهمون قضايانا ولا يحسون بمعاناتنا ، بالنسبة لي الآخرون ليسو أداة دعائية أستل منها حين تخدمنى ، وألقي بها فى أقرب مصب للعناة حين تحرجني أخلاقيا .الآخرون بالنسبة لي متطلب لتعزيز إحساسي بأننا جزء من هذا الكل البشري ، لا نستطيع أن نقاوم سقيع هذا العالم ، بحرارة دمنا وحدها ، جرعة من الدفئ الانساني القائم على الاحساس بالانتماء قادرة على تخفيف شعورنا المؤلم بالعزله .من الصعب أن تقنع أولئك الذين اعتادو على رؤية العالم من خلال تلك المسلمات التي نشأوا عليها ، أن هناك الكثير من البقع المظلمة فى وضعنا تحتاج إلى الإضاءة وأن الكثيرين فى هذا العالم الواسع ليسوا شريرين بالضرورة ، بل هم بحاجة إلى كشافات قوية تبدد تلك البقع المظلمه .الماضي :
أستعيد المرارة التي كانت تتحدث بها صديقتي البريطانية كيتي أثناء انتظارنا فى مطار القاهرة ، موعد إقلاع طائرتنا إلى لندن ، لا تفهم كيتي ; لماذا يتحول أى فلسطيني من شخص وديع لطيف الى صقر جارح .اذا اكتشف أن محدثته الأجنبيه لا تعرف ما يكفي عن قضيته ، لماذا يبدأ بالصراخ ويتحول إلى كتلة عدوانية ، وهل يدرك أنه ، بذلك يقتل كل الرغبة عند الطرف الآخر بالاستماع إليه ، ولكن من أين نبدأ ، كيف نحدد :موقع الفصل الأول فى روايتنا ; ونحن نرغم فى كثير من الأحيان على البدء فى المنتصف ، ويتدحرج الفصل الأول ، مع مرور الزمن فيومًا ما كانت بداية الحكاية بالنسبة للعالم خطف الطائرات .أما الآن فيصر على فتح الستارة على مشهد التفجيرات الانتحارية ، ونحن نسمح له بجرنا إلى اللعبة ونبدأ بالمرافعة الايديولوجيه فى منتصف القضية ، نحتد ونوزع الإتهامات ونشتم القريب والبعيد ، أما الطرف الآخر فيفاجئون وسط الصخب ، بأن يقول بهدوء كش ملك ، وتنتهي جولة أخرى من السجال الذي استخدمنا فيه سلاحًا وحيدًا ، عواطفنا البائسه بتسجيل هزيمة أخرى .ماذا لو حاولنا التعامل مع الأسئلة المشروعة لذوي النوايا الطيبة ، حول مسلماتنا ، هناك الرواية الأخرى رواية الطرف الآخر التى طالما تجاهلناها بايباء ، وشمم لم يساعدنا في الوصول الي ضمير العالم ، بل جعل الطريق سالكا أمام الطرف الآخر .فلسطين بلادنا يرددها أطفالنا ، ربما دون وعي لكونها ، بل باندفاع عاطفي هو آفة الكبير قبل الصغير ، ينقله الآباء للأبناء ، ثم ماذا ؟ ماهى فلسطين ومن نحن ؟ .عدا تلك الخرئط الصماء التى تزين أعناق الصبايا ، والتى يتفنن الحرفيون فى صكها تارة من ذهب ، وتارة أخرى من فضة ، وحين من معادنا أقل غلاء ، مكتفين بسحر الرمز وألوان العلم الأربعة ، عدا ذلك لن نفلح فى تقديم الكثير للتعبير عن هويتنا ، من نحن ؟ .من يستطيع أن يمدني بأى معلومة تساعدني فى رسم ملامح تلك المجموعة البشريه ،التى قطنت تلك البقعة الصغيرة من الأرض المسماة فلسطين ، قبل أن يجرى ما جرى وتختلط الألوان بشكل لن تجدى معه لا أغانينا الوطنية السطحية .ولا محاولات الأشاوس فى المؤسسات الثقافية لمنظمة التحرير لاعادة إحياء التراث الفلسطيني ، من خلال اقحام الكلاشينكوف على كلمات الأغاني التراثيه ، والبذلات العسكرية المرقطة على الزي الشعبي .أذكر كيف كدت أتعرض للضرب مرة حين وصلت الى بودابيست ، حيث كنت أقيم ، فرقة شعبية فليسطينية من بيروت مدربها مصري ، تقدمي شديد الايمان بالقضية ، لكن لم تطأ قدمه فلسطين فى حياته ، ولا شهد دبكة فى عرس ، ولا سمع أهازيج حقيقة .لم يكن أعضاء فرقة الدبكة يرتدون زيًا شعبيًا كومبازا وكوفية وعقالًا ، بل زي الثورة البذلة العسكرية المرقطة اياها ، وكان واضحًا أن الدبيكة لم يرو فى حياتهم دبكة ، أما كلمات الأهازيج والأغاني الشعبيه ، فكانت مصطنعة وبعيدة تمامًا عن الشعبية .كلمات احداها تقول (ياللى بتتحرك بنيه صافيه .. لك مننا تحيه وافيه
، شعرت بالغثيان حين سمعتها ، وما كان منى ألا أن رددت عليها بعفوية وعلى الوزن والقافية والنغمة نفسها وبصوت عالى .سمعه الجالسون فى آخر صف فى القاعة (رجليك بردانه والعالم دافيه .. وماحدا قالك يعطيك العافيه
وكنت مقتنعًا أن هذه الأبيات على فجاجتها ، هى أقرب الى جو التراث الفلسطيني من تلك الكلمات المتفزلكة المزيفه ، صدم الجميع وتحلق البعض حولي ، وبدأو يدفعونني بمناكبهم ولم ينقذني إلى اندفاع بعض الأصدقاء لحمايتي .اذا حفيت قدماى على أى مصدر متاحًا مهما كان بحثًا تاريخيًا ، ذكريات بعيدة ، وثائق ، أعمال أدبية ، وصلت إلى عبر السنين شرازم صغيرة من المعلومات ، من مصادر باهتة ومتفرقة ، تشير إلى أن سكان حيفا ويافا والمدن الأخرى المحيطة بها ، كانوا يشكلون مجتمعا راسخًا ذا ملامح واضحه ، ونسيجا عضويًا متجانسًا ، لكن أين هم الآن ؟
جزء كبير منهم يقطن مخيمات الأردن وسوريا ولبنان ، بملامح هجينة ومرارة قاتلة وذكريات لم تفلح السنون ومحاولات ذوي القربي المستميتة فى محوها ، هؤلاء سيكونون ملاذي .لست معنى بمن تمكنوا من ايجاد موطأ قدم لهم فى أوروبا وأمريكا الشماليه ، فأولئك اكتسبو ملامح أثرت على نقاء ذاكرتهم ، إذا فليس لي إلا الوصول إلى العدد الأكبر من اللاجئين فى الدول العربية .على أقترب من ذلك العالم الذى أرغب فى اعادته إلى الحياة فى روايتي القادمة ، نعم مشروعي هو رواية ، أى لا قوة موضوعية له ، لكني بعد مشاهدة فيلم عازف الكمان على السطح ، اقتنعت بأن الفن المتميز ، قادرا على بعث التاريخ الميت وإعطاءه صوتًا .