قصة من إبداع الكاتب الإيطالي ألبيرتو مورافيا ، تدور القصة حول فتاة ، كانت في الثامنة عشر من عمرها ، عندما ذهبت لتأدية إحدى امتحاناتها الدراسية ، كانت ابنة لأحد الموظفين ، جدية في تصرفاتها ، نتيجة التربية القاسية التي تلقتها ، مما جعلها تجهل تماما مدى جمالها الجذاب ، ففي الشارع كان الرجال يستديرون ، لينظروا إليها ، وكانت تستدير هي أيضًا ، ولكن ليس للنظر إلى الرجال ، بل الى أثواب النساء لتقارنها بأثوابها ، وتدرس ألوانها وأشكالها وتطريزها لكي تحسب ثمنها .فإن عدم قدرتها لارتداء الملابس التي تريد ارتدائها ، قد ولد عندها ما يسمى هوس الكذب تجاه الثياب ، فان سترة كبيرة أو بنطال يصبحان رمزاً للحرية والسعادة ، مثل سجين ينظر إلى السماء الزرقاء من خلال قضبان زنزانته شاعر بالنظر إليها بحريته .الرغبة :
ذات يوم توقفت أمام أحد المحلات ، حيث كانت تعرض تنورة أعجبتها كثيرًا ، فتوقف أحد الرجال خلفها ، ونظر إليها نظرة مفتونة ، كما كانت تنظر إلى التنورة ، فبدرت لذهنها فكره ، هي أنها ترغب في التنوره ، والرجل الواقف خلفها يرغب فيها ، إذا لابد أن يشتريها لكي تشتري التنورة .وما كانت تفكر في هذا الأمر حتى اقترب الرجل منها ، وتكلم معها بصوت عادي جدًا ، وسمعه رجلين آخرين كانا موجودين هناك ، فقال لها : إنها جميله ، أقصد التنورة ، إن كانت تعجبك ، تعالي معي ، وسأقدمها لكي ؟ ، التفتت خلفها ، فرأت رجل شاب ، ليس كثير النحول ، يبدو ماكراً ومنطلقاً ، فأجابته بدون تفكير وبصوت عالي بحيث يسمعها الرجلين الواقفين هناك قائلة له : موافقه ، هيا بنا .الشاب والتنورة :
أشارت للبائعة على التنورة ، وما إن أخذت التنورة ، وذهب هو إلى المحاسب ودفع الفاتورة مثل زوج صالح ، لم يكن مكتبه بعيد عن المحل ، وفي المصعد وفي الشقة أخذ يتصرف كصديق قديم ، وضعت هي الصرة التي تحوي التنورة على المكتب ، ثم وقفت تخلع ملابسها ، وفي تلك الأثناء ظل هو يجيء ويروح في الغرفة ، يؤدي أشغاله بصورة طبيعية كانت لا تفهمها .اكتشاف البغاء :
أثناء وجودها في الغرفة وحيده ، أحست بالفخر ، لأنها اكتشفت اكتشاف من وجهة نظرها ، أنها فتاة في الثامنة عشر من عمرها ، وقتها موزع بين الدراسة والانشغال بالأسرة ، وقد اكتشفت فجأة أقدم مهنة في التاريخ ، والمعروفة جدًا والأكثر عادية في العالم ، اكتشفت التعهر .نعم لقد اكتشفت أنها تمتلك شيئًا لا يكلفها شيئًا ، وأن الرجال مستعدون لدفع ثمنه ، وأن البيع والشراء يتم بكل هدوء ، فجلبت لها تلك الفكرة السرور ، فارتدت بنطالها ووقفت ترقص بوسط الغرفة ، عاد الرجل مرة أخرى للغرفة ، فاندهش حيث لا يجد مبرر لسعادتها البالغه ، فشرحت له أن الأمر متعلق بانفجار مفاجئ للسعادة الجسديه ، فصدق الأمر ، ثم تعانقا كصديقين قديمين وذهبت .الحياة الجديدة بعد الاكتشاف :
لا تعلم كيف نظمت حياتها ، بعد أول ولوج لها في أقدم مهنة في التاريخ ، ولكنها استطاعت شيئًا فشيء من خلال تلك المهنة ، أن تشتري كل الفساتين التي تريدها ، وكل الأشياء التي كانت ترغب بها ، فهي لم تكن تفعل ذلك إلا من أجل شراء ما ترغب به فقط ، أما عن حياتها فهي كانت مقسمة بين الذهاب إلى الجامعة ، حيث كانت تجتهد دراسيًا بحماس ، وبين البيت الذي تعيش فيه مع أهلها ، وأخواتها الثلاثة .الحب الأول :
ولقد صادفت شاباً ، أحبته كثيرا وأحبها كثيراً ، كان يدرس في الكلية نفسها ، أما عن ثيابها فقد كانت تحصل عليها ، بنفس الطريقة التي تمارسها من أجل شراء الثياب ، ولقد كانت تنوي أن تكف عن ذلك التعهر ، لولا أن الموضة كانت في تغير مستمر .السترة الصوفية :
ذا يوم ، وجدت نفسها حامل دون قصد ، فقررت هي وخطيبها ، أن يقربا حفل الزواج ، والذي كانا قررا تأجيله حتى الموعد المناسب ، وارتدت في تلك الفترة سترة من الصوف الطبيعي ، لها جيبان كبيران وأزرار معدنية ، كانت قد رأتها في أحد المحلات في مركز المدينة ، ولكن ما أن تبين لها أنها لا تستطيع شراءها حتى أصبحت رمزًا ، تفكر فيها في النهار ، وتحلم بها في الليل .القرار:
ولأنها خافت من أن عدم حصولها على تلك السترة ورغبتها الشديدة بها ، قد يولد طفلها وعلى جسده قطعة من الصوف الطبيعي ، لشدة رغبتها فيها ، ففكرت أن تلجأ ثانية الي التعهر ، وقد بررت لنفسها أنها سوف تكف عن التعهر بعد الزواج ، فهي سوف تذهب الي الريف مع زوجها حيث ولد وسوف تعيش هناك ، أما الآن فلا بأس .اكتشاف السرقة :
وفي يوم أثناء وجودها ، في محل الصايغ ، لاختيار خاتم الزفاف ، الذي ستتبادله هي وزجها في الكنيسة ، كان المحل ضيقاً ، ربما هو لأسرة ، فيوجد به امرأة عجوز ، ومعها شابة صغيرة في مثل سنها تقريبًا ، وتشبه المرأة العجوز ، وقد تكون ابنتها ، وانتظرت دورها حيث كانت الشابة مشغولة مع زبونة أخرى ، تريها طبقاً مخملياً مليء بخواتم من الأحجار الكريمة بألوانها المختلفة ، ياقوت أزرق وزمرد وياقوت أحمر وماس ثقيل .فطلبت من الأم أن تريها بعض الخواتم ، وأثناء الانتظار أخذت تنظر الي الطبق ، وبنفس طريقة الاكتشاف السابق العفوية غير المرتبه ، خطرت ببالها فكرة أخرى بل اكتشاف آخر لم يخطر ببالها من قبل ، اكتشاف السرقة ، فخاتم واحد منهم حتى لو بيع بخسارة ، سوف يغنيها عن ممارسة البغاء للأبد ، لمع الاكتشاف في رأسها ، مثلما لمع الاكتشاف الآخر منذ عامين .ممارسة الاكتشاف الجديد :
خرجت الزبونة الأخرى دون أن تشتري شيء ، وفي نفس اللحظة التفتت العجوز عنها ، وأعطتها ظهرها ، لكي تفتح أحد الأدراج ، وبسرعة خطفت الخاتم ذو الياقوت الأحمر ، من على الطبق المخملي ، ووضعت بسرعة مكانه الخاتم الصغير الرخيص ، الذي كانت قد خلعته من يدها لتجربة الخاتم الآخر .ثم أدخلت الخاتم الياقوت في اصبعها ولبست فوقه قفازها ، ثم قالت : لم أجد ما أبحث عنه وخرجت في الشارع ، وعندما خرجت إلى الشارع نزعت الخاتم ، وحشرته في بنطالها الضيق ، وكانت واثقة تماماً من نجاح تجربتها الجديدة للاكتشاف الجديد .العجوز والخاتم :
فجأة وفي وسط احساسها بالنجاح ، وجدت من يمسك بمرفقها ، كانت العجوز وقد تطاير شعرها في الهواء وبدى عليها الغضب الشديد ، وهي تقول الخاتم ، لقد نقصنى خاتم ياقوت ذو الفص الأحمر ، ودون أن تعترض رجعوا سويًا إلى داخل المحل .وفي داخل المحل ، رفعت صوتها باعتراض على اتهام العجوز لها ، وقد أرتها أصابعها جميعها دون خاتم ، وقلبت حقيبتها ولم يكن بها أي خواتم ، فرددت العجوز بغضب أنا لم أعرف غير أن الخاتم الياقوت الذى كان هنا ، أنتى التي سرقته من العلبة ، لأنك خلعت الخاتم الرخيص من اصبعك لتجربي الخاتم ، ولأن خاتمك كانت فيه تقليد رخيص للحجر الكريم ، وقد لاحظت ذلك ، والآن فان خاتمك في العلبة مكان خاتمي .البائعة الشابة :
كانت الابنة الشابة تنظر إليها ولم تنطق بكلمة ، وكانت نظراتها لها حادة ومثبتة عليها بشكل غريب ، وفجأة قالت الشابة : عندي اقتراح ، سأقوله للسنيورة لكن على انفراد ، تعالي معي .وأشارت بيدها فتبعتها إلى المحل الخلفي ، وأغلقت الباب ، وقالت لها: لقد رأيتك وأنت تأخذين الخاتم ، بعد أن خرجت زبونتي ، التفت فرأيتك ولم أخبر أمي ، ولم أخبرها فهي التي اكتشفت السرقة .ردت عليها باستغراب : لماذا تقولين هذا ؟ ، ابتسمت الشابة ثم قالت : لنفترض أنني بائعة مع أمي ومجبرة على ذلك ، أو لنفترض أنني اكتشفت أن ما يهم في الحياة ، ليست في المال والياقوت ، قالت لها : أنت اكتشفت ذلك ؟! ، قالت لها : نعم وما الغريب في الأمر ، ففي مثل عمرنا ، يمكن أن نصادف اكتشافات ، أليس كذلك ؟!والآن اخرجي الخاتم من المكان الذي أخفيته فيه ، ولن أخبر أمي ، بل سأخترع لك حكاية ، تخرجك من ذلك الموقف ، فأخرجت الخاتم من البنطال اللاصق ، وأعطتها اياه ، ففتحت الشابة الباب ، ثم قامت بحركة انحناء ، وكأنها تلتقط شيء من على الأرض ، ثم قالت : هذا هو يا أمى ، الخاتم ، إنه كان على الأرض ، فاستفادت هي من فرحة الأم ، وفلتت إلى الشارع ، وأثناء عودتها ظلت تفكر ، في كم الاكتشافات التي مرت بها في يوم واحد ، فهي اكتشفت اكتشاف ، والشابة في المحل اكتشاف آخر .