قصة الإوزة السوداء

منذ #قصص عالمية

قصة من إبداع الكاتب الإيطالي ألبيرتو مورافيا ، وهو من أشهر الكتاب الايطاليين ، ويكتب أيضًا باللغتين الانجليزية والفرنسية ، ولد الكاتب لعائلة ثرية من الطبقة الوسطى ، تدور القصة كالتالي :تقول عن نفسها أحب الرياضة المجهدة التي تتطلب قوة ومقاومة وجلداً ، أحب الحياة في الهواء الطلق تحت شمس محرقة ، أو مع هواء يجمد أطرافي ، أحب الطبيعة بفصولها المتساوية الجمال ، وتبدل الفصول ، فالشوارع والمدن لا تعنى لي شيئا بضجتها ، أحب الوحدة الصامتة ، أحب الريف الذي يهدأ الناس فيه باكرًا ، فالمدينة متطلبه طوال الوقت ، المدينه عبارة دعاية وإعلان تجدها في النور والمرور وكل شيء حولك ، بعكس الريف تماماً.الهدية :
وبمناسبة الكلام عن المدينه فان والدها يعمل كاتب بالعدل ، أرمل وغني وهي وحيدته ، ومعبودته ، ولكي يرضي غرورها اشتري بيتاً صغيرًا لها للصيد ، وكان في الماضي ملكاً لأحد الأمراء الرومان ، ويقع في منطقة موحشة من سهل اللاتيوم ، يقع بجوار منطقة ريفية بين بيوت صغيرة ، فوق الصخرة البركانيه .وقال لها والدها بعد أن مضى عقد البيت مداعبًا خدها : إن أكبر مكسب لدي ، هو المكسب الذي يطور من ميول الشخصيات الفريدة ، وأنت لكي ميول وذوق رفيع لابد أن يشجع وينمى ، فأنت فتاة لطيفة وصافية النيه .ولقد اعتبرت أن أكبر هدية قدمها والدها لها ، هو ذلك البيت التي تكرس نفسها له ، وتقوم بكل شيء فيه من أعمال منزلية سواء الطبخ أو الكنس أو البستنه أو العناية بالكلاب والدواجن والخيول .الصديقه:
ولديها صديقة سويسرية تدعي فرانسواز ، تساعدها وترافقها ، رقيقة تناسب ذوقها ومفرطة في الرومانسية ، لكنها أمينة ومخلصه ، حيث عندما يريدون تحميم الحصان ، فتقوم فرانسوازا بإمساك ختمه وهي ترفع ساقه لتتفحص حوافره ، وكانت تلك العمليه تقام أمام الفيلا على كوم من التراب ، موضوع عليها المطرقة والكماشات ، والمسامير الجديدة وأدوات أخرى كثيرة .وفجأة أصبحت السماء رمادية اللون ، وتنذر بالمطر الوشيك ، هذا الطقس الخريفي اللذيذ ، كانت صديقتها فرانسواز تلبس مثلها سروال وبوت من الجلد الطبيعي ، وكنزة وردية اللون ، عكس كنزتها السوداء ، وبينما كانت ممسكة بالكماشة لتتفحص حافر الحصان ، ظهر فجأة الخادم العجوز الذي ورثته عن المالكين القدامى للفيلا أمامها .مكالمة هاتفية:
ظهر الخادم وقال : يا صاحبة السعادة ، أنت مطلوبة على الهاتف ، وهي عندما تكون في الريف تكون بمزاج جيد ، فقالت له : لا تدعني بصاحبة السعادة ، فأنا لست أميرة رومانية ، أنا فتاة مثل كل الفتيات .ثم اجتازت المسافة التى تفصل بينها وبين الفيلا عدواً ، ثم المسافة إلى الصالون في الطابق الأرضي ، وكان الظلام مخيمًا على المكان فلم ترى قطعة من قطع الأساس ، ثم وجدت الهاتف هناك على مقدمة المطفأ الحجرية ، وحين وصلت إليه كانت قد قطعت أنفاسها ، وقلبها يخفق ، وعندما استطاعت التحكم في اضطرابها .قالت : حسنًا سوف أصل حالًا ، ثم وضعت السماعة وخرجت عدواً ، كانت فرانسواز واقفة في مكانها كما كانت ، بشعرها الأشقر المخبأ خلف استدارة الحصان ، تنظر بعينيها الرماديتين الواسعتين اليها .تحدي وإخلاص:
فقالت لها بصوت متصنع الحنق : تصوري يجب على أن أذهب إلى القرية ، وسوف أعود بعد ساعتين وسنقوم بالاهتمام بأمر الحصان غداً ، فما كان من فرانسواز إلا أنها بكل أدب وأخلاق تأهبت للذهاب ، وسألتها ببعض الضيق : أهو ؟ ، فردت : نعم هو ، فقالت لها : لا تذهبين إليه.فردت : لماذا ، فقالت لها : أنتي مجرمة ومجنونه ، سمعت شتائمها ولم تتضايق منها ، فبالفعل هي مجنونه وهذا ما كنت تردده دائمًا ، حتى أنها ردت عليها قائلة : أنتي محقة ، ومع ذلك سوف أذهب ، تمامًا مثلك أنت حينما يكون الأمر أقوى منك .فردت عليها فرانسواز قائلة ، وهي مازالت مختبئة خلف استدارة الحصان : إذا لكي أمنعك القيام بحماقات ، فلابد أن أكون أقوى من الشيء الذي هو أقوى منك ، ثم نظرت إليها بتحدي ثم قالت لها حسنًا سوف أكون الأقوى ، اسمعينى جيدًا : اذا ذهبت الى هناك فسأقتل نفسي .استهترت بتهديد صديقتها ، واعتبرتها مثل الشخصيات الكرتونية المبالغ فيها ، فهي تعلم جيدا أنها لم تتجرأ على قتل نفسها ، وسألتها : لماذا تريدين تحويل علاقة الصداقة ، الطيبه بيننا إلى ميدان جنوني ؟! ، لو كنتٍ تفهمين علاقة الصداقة بشكل مغاير عن طبيعته ، فالأفضل أن تحزمي حقائبك وتذهبين الآن ، تسمرت صديقتها في مكانها من هول الكلمة ، حتى أنها لم تبدي أية رد فعل ، فأكملت وقالت لصديقتها والآن خذي الحصان إلى الاسطبل ، وأنا ذاهبة الآن .سر الذهاب الجنوني :
أخذت سيارتها المكشوفة ، ونظرت بطرف عينيها على فرانسواز وهي تشد الحصان من لجامه محركة اياه في اتجاه الاسطبل ، فضحكت وهي في طريقها إلى القرية ، ثم وصلت هناك إلى محطة الوقود على موعدها معه .كان يقف هناك بجسمه الرياضي ، وأناقته الخاصة ، مكتوف اليدين على بعد خطوتين عنها ، زائغ العينين ، جامد الوجه ، فتحت الباب ونادت عليه قائلة : هيا اصعد بسرعة ، ماذا تفعل ، وفيم تفكر ؟حزم أمره ومشى ببطء نحو السيارة ، وصعد وهو يقول لها بغضب : لقد تأخرت ، كانت تعلم أنها دقيقة في مواعيدها ، ولكنه يقول ذلك ليمنح نفسه أهمية معها ، لم ترد عليه وظلت تسوق بيد واحده وبالأخرى ، أخرجت من أمامها علبة بيضاء كبيره وألقتها على رجليه .فتح العلبة بيده الغليظة ، يد فلاح بالفعل ، وأخرج منها مسدس طويل وضخم ، فقالت له : يبدو أن عياره خاص ، تعبت حتى وجدته ، ثم إنه غالي ، لو كنت أعرف ذلك لما كنت وعدتك به ، فما كان منه إلا أن أعاد غلق العلبة ، وأخفي المسدس في جيب سترته المخملية ، وقال بصوته الرنان : هذا ينفعنى دائمًا .فقالت له لماذا : أنت لص سوقي ، تسطو على الفلل المهجورة ، أو لص دجاجات ، فلماذا تحتاج اليه ؟ ، قال لها : ولما تصرين أن تأتى معي ، مادام هذا رأيك بي ؟ ، فقالت له : لأن هذا يسرني وحسب يا غبي ، احكي لي ماذا حدث بالأمس ؟ ، فقال : ذهبنا أنا وأجستو إلى فيلا الأمريكيين ، فلم نجد بها شيء تقريبًا ، فهو أخذ منها سرجاً قديما وأنا رزمة من علب السجائر .قالت له : غبيان قلت لكما لا تذهبا الي فيلا الأمريكيين ، اذهبوا الي أولئك المنتفخين ، ما اسمهم الذين يسكنون في الفيلا المجاورة للأمريكيين ، فهناك ستجدون أشياء كثيرة أيها الغبيان ، فرد عليها : لماذا تكرهين هؤلاء الناس كثيرا ، وتسميهم المنتفخين ، فماذا فعلوا لك؟علاقة خاطئة:
وانعطفت فجأة على أحد منحنيات الطريق ، بداخل طريق تحفه الأشجار يمينًا ويساراً ، حتى أن أغصان الأشجار أخذت تتخبط بجوانب السيارة ، وأوقفت السيارة بداخل الروضة وظلت معه قرابة الساعة تقريبًا .وبعدها حركت السيارة متجهة لطريق العودة ، وفي منتصف الطريق ، حاول مداعبة خدها برقة ، فمنعته فورا وهي تشعر بقمة الكره من نفسها ، كره حتى الموت ، وقالت له أنزل يدك ، قال لها : عدتي تهينني ثانية .فأوقفت السيارة وقالت له : لقد وصلنا للمنعطف ، والقرية على بعد كيلو مترًا ، هيا انزل ، وعندما تردد قالت له : انزل وإلا سوف أذهب بك الى القرية ، وأسلمك للشرطة ، وأريحهم من عناء البحث عنك ، ففعل التهديد فعله وبالفعل نزل من السيارة وهو يتمتم عن أنها تتعمد إهانته .العودة إلى البيت :
أدارت السيارة ، وفي طريقها للبيت ، خطر ببالها أن فرانسواز بالفعل حاولت قتل نفسها ، فان شخصيتها مثل شخصيات الرسوم المتحركة ، وصلت للفيلا ، فوجدتها في حجرتها ممددة على السرير ، ويداها متشابكتان تحت رأسها .فقالت لها : بالمناسبة كان يجب عليكٍ أن تنتحرين ، أليس كذلك ، فبدلا من أن تجيبها قالت لها ، أتتذكرين أول مرة التقينا أنا وأنت ، كنتِ تقفين عند بحيرة للأوز ، وكان جميع الإوزات بيضاء ، إلا أوزة واحدة كانت سوداء ووحيدة ، فملت عليكٍ وقلت لك انتي مثل تلك الإوزة السوداء الوحيدة .زيف وحقيقة :
فقالت في نفسها : يا لها من فتاة رومانسية بشكل لا يطاق ، رومانسية الروايات المصورة ، ثم فجأة حدث شيء رفعها بشكل واقعي وحقيقي وسط كثير من الزيف ، فقد سقط المطر بغزارة ، على النافذة بثلوجه البيضاء في هذه الساعة المظلمة ، من هذا الغسق الخريفي .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك