الأمير سعود الفيصل عميد الدبلوماسية وصوت الأمة ، واحد من أهم رجال المملكة ، فهو من الذين وضعوا أسس الدبلوماسية ، ومنح لوطننا الكثير والكثير من المناهج الدبلوماسية المتميزة والفريدة والقائمة على الوضوح والصراحة .مسيرة كبيرة للأمير سعود الفيصل رحمة الله عليه ، أربعون عام من العمل لخدمة المملكة والعالم العربي والإسلامي ، إسهامات كبيرة ومتابعة للقضايا العربية وللأحداث على مستوى العالم كله .بداية الرحلة والتحديات الكبيرة :
بدأت رحلة الأمير سعود الفيصل منذ عام 1975م ، حين تولى منصب وزير الخارجية ، واستمر في هذه الوظيفة حتى عام 2016م عندما توفي رحمه الله ، وحزن على فراقه الجميع ، وفقدت المملكة أحد أكثر الرجال مهاره وحنكة سياسية قوية .كانت الفترة التي تولى فيها منصبه مليئة بالصعوبات والمخاطر ، فقد كانت البداية عقب حرب أكتوبر المصرية ، فكانت المنطقة العربية كلها في حالة تعافي من الحرب التي خاضتها مصر بمعاونة باقي الدول العربية على رأسها المملكة ، وبعد هذا جاءت الثورة الإيرانية ، وكان هناك مخاوف كبيرة حول السياسة التي ستعتمد عليها إيران في هذه المرحلة .لم تهدأ الأوضاع بل على العكس ازدادت وأصبحت أسوء ، فقد حدثت حرب العراق وإيران ثم احتلال العراق للكويت ، فلم تهدأ المنطقة فقد شهدت توتر كبير بسبب تكرر الاعتداءات الصهيونية على مناطق جنوب لبنان وعلى قطاع غزة ، مما أدى إلى العديد من الانقسامات على المستوى الداخلي والخارجي للدول العربية كلها .كذالك لم تهدأ رحلة الأمير سعود الفيصل ، والذي كان يحاول أن يكون له دورًا فاعلًا فيما يحدث ، فكان يلاحق القضايا ويبرز موقف المملكة حسب كل موقف وكل أزمة ، ولا يمكن للتاريخ أبدًا أن ينكر الدور الذي كان يقوم به الأمير سعود الفيصل وبصمته على كافة القضايا التي مرت بالعالم العربي .القضية الفلسطينية :
كانت واحدة من أهم القضايا التي شغلت الوطن العربي بشكل عام ، وشغلت الأمير سعود بشكل خاص ، والذي بذل الكثير من الجهد على المستوى الإقليمي والدولي في هذه القضية ، و كان له دور خاص في كافة المؤتمرات التي أقيمت في داخل المملكة أو خارجها .الصلح اللبناني :
استمرت مجهودات سعود الفيصل مستمرة ومشرفة ، فعقب الخلافات الكبيرة في لبنان ، اشتعال الخلافات السياسية والتي تحولت إلى حرب أهلية كان لسعود دورًا في حل الأزمة ، وحين تجددت الأزمات اللبنانية وكادت تتكرر الحرب الأهلية كان الأمير بالمرصاد ولم يسمح بحدوث الكارثة مجددًا .مجلس التعاون :
المجهودات التي بذلها الأمير سعود أيضًا لم تستثني مجلس التعاون الخليجي ، وكيف كان يحضر الاجتماعات واللقاءات بشكل متواصل مهما كانت درجة الإرهاق التي يعاني منها ، وقد شهد السفير علاء الدين العسكري أن الوزير سعود الفيصل كان يقضي في الاجتماعات ما يصل إلى ستة ساعات متواصلة .وعلى الرغم من أنه كان يبدو عليه التعب الجسدي بشكل كبير ، إلا أن نشاطه العقلي كان دائمًا حاضرًا ، كان يستمع لما يقوله الجميع حتى لو استمرت الأحاديث ساعتين أو ثلاثة ساعات ، يستمع بحرص ويدون الملاحظات ومن ثم يطلب الكلمة ، يلخص ما قيل في الساعتين في خمسة دقائق ومن ثم يقول رأيه دون أن يسبب أي إزعاج لأحد .ولكن على الرغم من ذلك يوصل رسالته كاملة دون أي نقصان ، وساعده في ذلك سرعة البديهة التي كان يتمتع بها والتي كانت تساعده في عرض الحلول ومعالجة المشكلات ، حتى في أسوء حالاته حين مرض وكان مجبرًا على السفر لإجراء عملية جراحية ، وكان هذا نفس الوقت المقرر من أجل القمة الإسلامية ، فور أن أفاق من التخدير طلب أن يشاهد الأخبار ، وأول ما سأل عنه هو النتائج التي خرجت بها القمة وكيف سارت الأمور فيها وماذا حدث .الكرم والذوق :
على الرغم من انشغاله المستمر ، إلا أنه كان دائمًا حريص على أن يقابل جميع الوفود الدبلوماسية التي تصل إلى المملكة بنفسه ، فكان يستقبل الوزراء في أي وقت حتى وإن كان هذا على حساب صحته وجسده ، وكان الجميع يشهد له بأنه كريم وصاحب ذوق ولباقة عالية .وكان يحب أن ينتظر الضيوف أمام سلم الطيارة مهما كانت الأحوال الجوية ، على الرغم من أن دبلوماسيًا يمكن أن ينتظر الوفود في داخل صالة الاستقبال بالمطار ، إلا أنه كان يشعر أن استقباله للضيوف بالخارج يجعل الضيوف يشعرون بقيمتهم ويشعرون بتقدير المملكة لزيارتهم .القضية السورية :
من أبرز القضايا التي تابعها بنفسه قبل وفاته هي القضية السورية ، والتي شهدت موقفًا قويًا ومؤمنًا بحق الشعب السوري في حياة مستقرة ، وقد دافع عن حقوق الشعب السوري في كافة القمم العربية والدولية والإسلامية ، ومنذ بداية الأزمة السورية ولمدة خمسة أعوام كاملة فلم يهدأ الأمير سعود .وكان له موقفه الصريح فيما يخص الأزمة السورية ، وقد سعى إلى حل المشكلة منذ بدايتها ، عن طريق التواصل مع كافة الأطراف ، وقد حرص بنفسه على التواصل مع الأسد من أجل حثه على احترام رغبات شعبه وعدم التفرقة بين الشعب .حتى بعد تفاقم المشكلة استمرت جهود المملكة بقيادة سعود الفيصل في محاولات مستمر لمساعدة الشعب السوري ، وقد اتضح الموقف السعودي بكل صراحة من خلال رفض العنف والتحدث عن هذا علانية بدون محاباة لأي طرف .