قصة عبد الله البسام مؤرخ نجد

منذ #قصص نجاح

يزخر تاريخ الجزيرة العربية بالعديد من العلماء والمؤرخين الذين عنوا بتدوين تواريخ المعارك والحروب بين القبائل ، وتعاقب الحكام ، وشهدوا على النزاعات والإصلاحات في عصرهم ، ويتربع على عرش هؤلاء المؤرخ النجدي الذي اهتم بكافة تفاصيل الأحداث حتى هبوط الأمطار ، وتعاقب المواسم ، ورخص الأسعار ، وسنوات القحط والجوع والغلاء ، وانتشار الأوبئة والأمراض ، ووفاة الأعلام والأعيان في معظم البلدان التي وصل لها.فلم يترك صغيرة ولا كبيرة تحدث في البلاد ، إلا وتحدث عنها ، ولعل انعزال وسط الجزيرة العربية عن بعض الدول كان له أكبر الأثر في ندرة المعلومات ، التي تحصل عليها المؤرخ النجدي .فأخبار اليمن ومصر والعراق والشام لم تحظي بكثير من الفرص في كتابات المؤرخ النجدي ، ولكن من يقرأ كتابات عبد الله البسام لن يشعر بتلك الندرة ، وذلك بسبب تنوعها وشموليتها ؛ لكثرة تنقله وأسفاره في طلب العلم والتجارة ، وقد وصفه الملك عبد العزيز بأنه من العارفين المدققين .النشأة والولادة :
هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن حمد بن إبراهيم البسام ، عالم ومؤرخ نجدي شهير اختلف الباحثون في تحديد وقت ولادته ، إلا أن الباحث إبراهيم الخالدي رجح أن الولادة كانت عام 1275هـ .والسبب في ذلك غياب سيرة ابن بسام عن أقلام المؤرخين والمعنيين بعلم السير ، فظلت حياته وأخباره غامضة عن كثير ممن قرأ مؤلفاته ، ولكن بعض المؤرخين أوردوا مقتطفات بسيطة من سيرة ابن بسام ؛ ليحفظ التاريخ اسمه بحروف من نور .ولعل أشهرهم العلامة عبد الله بن عبد الرحمن البسام ، والذي يشبهه في الاسم والعائلة فقد ذكر سيرته في كتابه الكبير (علماء نجد في ثمانية قرون) ، وربما استطاع الحصول على تلك المعلومات من العائلة التي توارثت سيرة الجد الأكبر .عائلة البسام منهل العلم :
لقد عرفت عائلة البسام طريق العلم واتخذته منهجًا ، فصار منها المؤرخين والعلماء ، ولعل هذا ما سبب الخلط لدى بعض المؤرخين بين ثلاثة أسماء من أسرة البسام ، عرفوا بطلب العلم ، وصاروا قامات سامقة في مجالهم ، وخاصة في البحوث الشرعية ومجال التاريخ .وأول هؤلاء هو العلامة والمؤرخ أحمد بن محمد بن عبد الله بن بسام ، الذي ولد تقريبًا في عام 955هـ ، وأصبح قاضيًا في بلدة القصب ، ثم ملهم وبعدها إلى العينية عام 1015هـ وكان له مخطوط تاريخي شهير يدعى نبذة في تاريخ نجد .أما العلامة الثاني فهو المؤرخ الذي نتحدث عنه عبد الله بن محمد البسام ، مؤلف كتاب تحفة المشتاق ، والذي يعد حفيدًا لأحمد البسام ، أما المؤرخ الثالث فهو عبد الله بن عبد الرحمن البسام ، صاحب كتاب علماء نجد في ثمانية قرون ، وهو  حفيد العلامتين أنفين الذكر .التراث العلمي المتروك :
ترك عبد الله بن البسام تراثًا علميًا زاخرًا بالتنوع والعمق ، فهو لم يقتصر على كتابات التاريخ والتراجم والأنساب ، بل توسع إلى شئون الحكم والآداب المختلفة ، ودون بعض مذكراته ومشاهداته المختلفة .ولعل تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق هي أهم ما ترك ، وظلت مخطوطة هذا الكتاب تنتقل بين الباحثين حتى وصل لها أستاذ مصري يدعى محمد نور الدين أل شريبة عام 1375هـ ، وقام بنسخها بخط الرقعة ، فصارت أكثر وضوحًا.كما ترك لنا أيضًا كتابه الدليل المفيد لمن هو للدين والدنيا مريد ، بالإضافة إلى بعض الكراريس في التاريخ والأنساب والأشعار والتراجم ، كان في سفريات البسام وتنقلاته مصدرًا كبيرًا يستقي من المعلومات والأخبار ، كما ازدادت ثقافته واتسع أفقه وتضاعفت معرفته بدور الأم المجاورة ، ويعد البسام أحد أكبر وأشهر مؤرخي الجزيرة العربية الذين نهل منهم الباحثين والعلماء في العصر الحديث.الوفاة والرحيل :
حينما تقدم العمر بابن بسام قرر العودة إلى بلدته عنيزة ليستقر بها ، وقصدها بأبيات شعرية ، نظمها بحرفية وإتقان ، وقال فيها :رجوتُ رحيماً واستعنت بعونه
كمستمطرٍ يرجو المنى من غمامه
على حفر بئر فاق ما كان قبله
فجاء نميراً يُستقى من حمامهولما استتم البئر ، قلت مؤرخاً : حمدتُ كريماً منّ لي بتمامه.ورحل المؤرخ بعد قرابة خمسة عشر عاماً قضاها في بستانه المويهرية ، بعنيزة عن عمر يناهز السبعين عاماً ، وتمت الصلاة عليه في جامع عنيزة بعد صلاة العصر- رحمه الله رحمة واسعة .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك