نتعرض جميعنا لضربات وقسوة تهزمنا ، وتحطم أحلامنا وأهدافنا ، منا من يتجاوزها منا من لا يستطيع ، فينزوي ليموت ببطء ، رهن خيالاته وبكائه على الأطلال ، أما من يتحدى قواه ورغباته ، فإنه ينتصر لأهدافه ويحقق ما شاء من أحلام ، إن كانت مقدّره له منذ البداية ، فالسعي هو أول طريق النجاح ، قد تكون نجاحاتنا أساسها مأساة وطعنة كبيرة بالقلب والعاطفة ، وهذا هو ما حدث للموسيقار الشهير لودفيج فان بيتهوفن.المولد :
وُلد بيتهوفن عام 1770م ، بمدينة بون ، لأسرة متوسطة الحال ، كان جده موسيقارًا لفترة طويلة من الوقت ، وكان والده يعمل في نفس المجال الموسيقي ، ومحاط بسبعة أشقاء ، ماتوا جميعًا ولم يتبق منهم سوى شقيقين فقط هما الأصغر منه سنًا .تربى بيتهوفن في عائلة تحب الفن وتعشق الموسيقى ، وفي إحدى السنوات التقى لودفيج بيتهوفن بالموسيقار الكبير آنذاك الذي يُدعى موتسارت ، وسافر مغادرًا إلى فيينا لتحقيق حلمه الكبير في أن يصبح موسيقيًا معروفًا .انتقل بيتهوفن إلى فيينا وهناك درّس الموسيقى لعدد من الطلاب ، ومن هؤلاء الطلاب عشق إحدى طالباته كانت تدرس البيانو ، وكانت تُدعى إيلزا وهي من عائلة أرستقراطية كبيرة ، وكانت متزوجة ، انتظر بيتهوفن وفجأة علم أن إيلزا قد توفى زوجها منذ فترة ، وهنا تجرأ وطلب الزواج منها لشدة حبه لها ، فرفضت إيلزا بشدة خوفًا من رفض المجتمع لهذا الأمر .وسحب الوصاية منها على أبنائها وحرمانها منهم ، ومع تلك الصدمة العاطفية الشديدة ، لم يكن أمام بيتهوفن سوى تأليف مقطوعة موسيقية حملت الكثير من مشاعره وسُميت من أجل إيلزا ، مثله مثل أي شخص أصيب بصدمة عاطفية قوية ، انعزل بيتهوفن لفترة من الوقت وابتعد فيها عن الناس من حوله .انعزل لفترة عاد في أعقابها لعزف الموسيقى معشوقته الأولى ، وألف بها أفضل إنتاجه وأعماله التي بقيت في الوجدان قمة النجاح ، ظل بيتهوفن يعمل على أفضل أعماله الفنية ، إلى أن أصيب أحد إخوته بالسل ، فاضطر بيتهوفن إلى إنفاق كل ما يملك في سبيل علاجه ، إلا أن إرادة المولى عزوجل ، شاءت أن يُتوفى أخيه ، وهنا ناضل بيتهوفن حتى يمنع ابن أخيه من التشرد ، وأنفق باقي ما يملك حتى ينال حق الوصاية عليه.عند ذلك ، فكر بيتهوفن في العودة مرة أخرى إلى موسيقاه التي يعشقها ، ولكنه أصيب بمرض شديد كاد أن يفتك به ، لولا أن تعافى منه جزئيًا ، واستطاع الوقوف على قدميه مرة أخرى ليؤلف مقطوعات جديدة.لطالما كانت الموسيقى هي المعشوقه الأولى لبيتهوفن ، وظلت هي العالم الفريد الذي يعيش فيه لفترة طويلة حتى منتصف العشرينات من القرن المنصرم ، حيث أصيب بيتهوفن بالتيفوس وبدأ سمعه يضعف رويدًا رويدًا ، إلى أن أصيب بالصمم التام ، هنا انعزل بيتهوفن عن المجتمع وفضل الوحدة ، حتى تدمرت حالته النفسية بالكامل وأرسل لأخيه ، يخبره أنه يرغب في الانتحار .لم ينتحر بيتهوفن ، ولكنه أصيب بعدد من الأمراض النفسية مثل الاضطراب ثنائي القطب ، وتليف الكبد ، والاكتئاب الحاد ، لدرجة أنه كان يحزن بشدة ثم يفرح بشكلٍ مفاجئ ، مع المزيد من الألم المزمن.لم يعد يلفت نظره أو اهتمامه شيئًا ، واستكمل عزفه وألحانه مع معشوقته الموسيقى ، وأخذ من حين لآخر يهاجم الكنيسة والنظام السياسي ، ويطالب بحقوق الفنانين ، أدبيًا وماديًا واجتماعيًا ، فأصبح مكروهًا لدى البعض ، ومحبوبًا لدى عشاقه وعشّاق موسيقاه.وأصبح محاطًا بالكثير من المعارف ، لكنه كان قد فقد الرغبة الفعلية في التقرب من الحياة الاجتماعية الصاخبة . ثم توفى بيتهوفن وهو يبلغ من العمر 56 عامًا ، بعد حياة حافلة بالعقبات واليأس ، وأقيمت له جنازة ضخمة ومهيبة آنذاك .