عبد الرؤوف جمجوم التاجر العصامي ، واحدًا من الرجال ذوي القوة والبأس والذي قدم الكثير للمملكة ، وبذل الكثير من الجهد من أجل وضع حجر الأساس في التعليم ، والتي استفادت منه أجيال عريضة من أبناء المملكة ، والذين نفعوا المملكة بالعلم والدراسة التي حصلوها بفضل هذا الرجل .كان عبد الرؤوف جمجوم مؤمن تمامًا بأهمية التعليم وكان يدفع من ماله الخاص ، من أجل دعم المدارس ، فكان يدعم حلمه في وضع أسس التعليم في المملكة بالمال الخاص بأسرته والتي تتعايش منه الأسرة .كانت وصيته قبل موته أن تستمر الأسرة بكل أفرادها في الاهتمام بهذا الحلم وتطويره ، ولم تخذله أسرته بل أكملت مشواره العظيم ، والذي تناوله معظم المؤرخين لتاريخ المملكة والرجال العظماء الذين مروا بهذا التاريخ .الأسرة والنشأة :
كانت أسرة جمجوم واحدة من الأسر العريقة والغنية ، وكانت معروفة تمامًا بين أسر الحجاز حيث أنها كانت تفتح بيتها لضيافة الحجيج و المعتمرين ، تعود أصول أسرة جمجوم إلى مصر ، وتنتمي إلى محمد خليل جمجوم شهيد فلسطين ، والذي حكم عليه بالإعدام شنقًا بعد ثورة البراق .وكانت أسرة جمجوم واحدة من الأسر التي أنجبت الكثير من العظماء والشخصيات البارزة ، في العديد من المجالات في التجارة والاقتصاد والطب والعلوم ، وكانت أسرة جمجوم حريصة دائمًا على أن تجتمع يوميًا على مائدة الطعام .مما جعل هذه الأسرة على مر الزمان مترابطة ومتصلة ، ولديها الكثير من الروابط الحميمية ، هذه هي الأجواء التي تربى فيها جمجوم والتي خلقت منه هذه الشخصية العظيمة .فقد ولد عبد الرؤوف عبد العزيز صلاح عيسى جمجوم في جدة عام 1299هـ ، وتعلم هناك القراءة والكتابة ، وكان خطه جميلًا وكان من أفضل التلاميذ في الحساب ، وهو ما جعله مؤهلًا لأن يتولى عمل والده في التجارة ، بعد أن توفى والده في مرحلة شباب جمجوم .العمل :
كان جمجوم نشيطًا ولا يرفض العمل أبدًا بل يقبل عليه بحب ، وقد عمل في بداياته كاتب لدى أربعة تجار ، فكان يبدأ عمله في الصباح الباكر ، ويستمر عمله إلى أخر ساعات الليل ، كان يجتهد من أجل أن يعول أسرته ويربي أخوته ويعلمهم ، بعدها بدأ عمله كوكيل تجاري في مكة ، فكان يشتري البضائع ويرسلها على الجمال إلى التجار ، وكان منظمًا يدون كل شيء في دفاتر حتى لا ينسى أو يخطئ ، فكان الجميع يتعجب من الكم المهول الذي يقوم به وحده .في نفس الوقت كان لدى جمجوم حلم أكبر وهدف أسمى وهو التعليم ، فكان ينشئ ما يسمى بالليوت التجارية وهذه البيوت بدأت في جدة ، وكانت عبارة عن مدراي صغيرة يتعلم فيها الطلاب الحسابات وإمساك الدفاتر ، من أجل اكتساب القدرة على العمل في التجارة ، وعلى حسب روايات المؤرخين تخرج من هذه المدارس العديد من رجال التجارة ، وكذالك من العاملين في كتابة الحسابات والعاملين في مجال التجارة بشكل عام.مدرسة الفلاح :
أسس عبد الرؤوف جمجوم مدرسة الفلاح بالاشتراك مع الحاج محمد على زينل ، وكانت هذه المدرسة من أهم المشاريع التي أعطاها جمجوم الوقت والرعاية ، فقد كان يصطحب التلاميذ سرًا إلى المدرسة ، بعد الغروب ويدرسهم ومن ثم يعيدهم إلى منازلهم ليلًا ، وذلك لأن المدرسة لم تحصل على ترخيص من الإدارة العثمانية .حين أخرجت تراخيص المدرسة اشترى الحاج زينل مبني للمدرسة ، وبدأت الدراسة الصباحية بدلًا من المسائية ، وتوسعت المدرسة والدراسة فيها ، وهو ما جعل الحاج زينل يسافر خصيصًا إلى الهند من أجل أن يتمكن من الإنفاق على المدرسة.حينها تولى جمجوم إدارة المدرسة بالكامل وكان حريصًا كثيرًا على أن تسير أمور المدرسة بطريقة صحيحة تمامًا ، فكان يحرص على أن ينفق على المدرسة في كل احتياجاتها ، وخاصة ما يخص الرواتب .بعد قيام الحرب العالمية الأولى أصبح من الصعب على الحاج زينل أن يرسل النفقات للمدرسة ، ومن هنا تحمل جمجوم المسؤولية كلها ، كان الحاج زينل يرسل ما يستطيع رغم الصعوبة التي فرضتها الحرب ، وطلب من جمجوم أن يكتفي بفرع واحد للمدرسة ، ولكن جمجوم أصر على أن يبقي مدرستي مكة وجدة كما هم .وكان جمجوم ينفق على المدارس من أمواله الخاصة لدرجة أنه في أحد الأعوام أنفق كل ماله ، حتى أخر ريال في جيبه وكان هذا صبيحة العيد ، وكان ينام حزينًا لأنه لا يملك أي أموال ينفقها على أسرته في العيد .حينها استيقظ على هاتف في رأسه يخبره أن ينزل أسفل المنزل ، وحين فعل هذا وجد الشيخ محمد الطويل يحمل صرة ريالات أرسلها الملك الشريف الحسين بن علي من أجل أن تصرف منها الرواتب ، بالفعل أنفق نصفها على الرواتب ، والباقي على أسرته .الملك عبد العزيز :
كان الملك عبد العزيز رحمه الله مهتمًا بمدارس جمجوم وذلك لأنه كان يحرص على التعليم ، وقد حرص الملك عبد العزيز على زيارة مدرسة الفلاح بنفسه في جدة ، وأثنى على دور هذه المدرسة في نشر العلم والمعرفة ، وكيف لهذه المدرسة أن تساعد في بناء المملكة في المستقبل .الوصية :
قدم جمجوم طوال حياته العديد من الأعمال التي أفادت المملكة حتى يومنا هذا ، وقد ترك جمجوم لأهله وورثته وصية هامة جدًا ، يؤكد عليهم أن يهتموا بالتعليم والإنفاق على تعليم أولادهم وأولاد المسلمين .وأكد على أهمية الصدقة والإنفاق في سبيل الله ، مؤكدًا على أهمية الستر والاستقامة ، ورضا الله في كافة التصرفات ، والاقتصاد دائمًا في المناسبات وكذالك في الزيجات ، توفي جمجوم صغيرًا لكنه قدم الكثير والكثير ، فقد توفي في عمر الثامنة والثلاثون من عمره ، بعد أن مرض وسافر إلى الهند ، حاول أن يحصل على العلاج ولكن كان أمر الله أسرع وتوفي تاركًا إرثًا كبيرًا لأهله ولأهل المملكة كلهم .