ثمة اساطير وخرافات عديدة حول المرآة ، أشهرها قاطبة خرافة ماري الدموية ، تلك المرأة المجنونة ذات الشعر الأشعث التي تتجلى على صفحة المرآة متى ما ناديتها لثلاث مرات وانت تحمل بيدك شمعة داخل حجرة مظلمة ، تظهر حاملة بيدها سكينا ضخمة لتستل أرواح أولئك الذين تجرأوا على مناداتها وتسحبهم معها إلى داخل المرآة ليبقوا هناك إلى الأبد ..
هناك خرافة آخرى عن المرايا تتحدث عن امكانية رؤية القرين، ويزعم أصحابها بأنك لو جلست في غرفة قليلة الاضاءة وركزت النظر إلى مركز وجهك لفترة من الزمن ، فسترى قرينك حتما ، سيظهر خلفك وسيكون غاضبا منك جدا لأنك احضرته ، وقد يتسبب لك بأذى كبير ..
البعض يقول أن هذه مجرد خرافات لا أساس لها من الصحة ، فيما يرى آخرون أن المرآة ليست مجرد لوح زجاجي نرى فيه انعكاس صورتنا ، بل هي أيضا بوابة ممتدة من عالمنا إلى عالم آخر ملئه الغموض والأسرار ، هذه البوابة يمكن أن تنفتح لسبب أو لآخر فتمرق عبرها كائنات مخيفة تملأ قلب ناظريها رعبا ، ولهذا السبب نصح الأقدمون بعدم أطالة النظر في المرآة ، لأنه كلما أطال الانسان النظر فيها كلما زادت فرصة عبور تلك الكائنات الماورائية إلى عالمنا لتتسبب بانواع المصائب والأذية والمشاكل.
في الحقيقة ، المؤمنون بأن المرايا مسكونة ، ربما يكونون أقرب إلى الصواب ، وأنا هنا لا أتكلم من منظور الترويج للخرافات ، بل من منطق علمي بحت ..
لكن مهلا .. أي علم "اغبر" هذا الذي يؤمن بوجود ماري الدموية!! ..
أنه علم البصريات ، وهو من أقدم العلوم ، ويعني فيما يعنى بالخدع البصرية ، والتي يمكن تعريفها على أنها رؤية مخادعة تحدث نتيجة فشل الدماغ في تحليل البيانات التي تنقلها العين إليه بصورة صحيحة ، فالعين وظيفتها أن ترى فقط ، أما التفسير فهو وظيفة الدماغ ، ويمكن خداع الدماغ والاحتيال عليه بسهولة ، أبسط مثال على ذلك الصورة ادناه ، حيث توجد 12 نقطة سوادء ، أتحداك عزيزي القارئ أن تراها وتقوم بعدها جميعا مرة واحدة ، لأنك كلما طاردت واحدة منها ببصرك ، اختفت الاخريات كالسحر! .. وقد اثارت هذه الصورة ضجة كبيرة عندما نشرها عالم النفس الياباني أكيوشي كيتاوكا على صفحته في الفيسبوك أول مرة ، تماما كما فعلت صورة الفستان الذي نشرته فتاة ما قبل فترة على الفيسبوك وحار العالم في معرفة لونه الحقيقي!.
علم البصريات يحاول أن يفسر الخدع البصرية بشكل علمي ، ومن المؤكد بأنه ينظر إلى ظهور وحوش وكائنات مخيفة في المرايا على أنها مجرد خدع بصرية لا اكثر، ويحاول تفسيرها على أساس خدعة بصرية تدعى بالتلاشي أو الخفوت المحيطي (Peripheral fading) وتعرف أيضا بأسم تلاشي تروكسلر (Troxlers fading) نسبة إلى أسم العالم الذي اكتشفها عام 1804 ، والتي تنص على انه عند النظر إلى مجموعة من النقاط في صورة أو منظر مع التركيز على محفز معين ، كأن يكون مؤشر أو علامة ، لفترة قصيرة من الزمن ، فأن النقاط المحيطة ستتلاشى تدريجيا وتختفي.
وعلى أساس هذه الخدعة قام الباحث الايطالي جيوفاني كابوتو ، عام 2010 باجراء دراسة وتجربة شارك فيها 50 متطوعا ، طلب منهم تركيز النظر على مرآة موضوعة داخل حجرة ذات اضاءة خافتة لمدة 10 دقائق. وكانت النتائج مذهلة :
- من المجموع الكلي للمشاركين في التجربة : 66 بالمائة قالوا أنهم شاهدوا حدوث تغيرات وتشوهات في وجوههم.
- من المجموع الكلي : 18 بالمائة قالوا انهم شاهدوا حيوانات كالقطط والخنازير.
- من المجموع الكلي : 28 بالمائة شاهدوا وجه شخص غريب.
- من المجموع الكلي : 48 بالمائة قالوا انهم شاهدوا وحوش وكائنات خيالية.
طبعا هذه التجربة رغم نتائجها المذهلة ، إلا أنها لا تعطي تفسير كاملا فيما يتعلق بخرافات المرايا ، فمثلا 66 بالمائة من المشاركين قالوا انهم لاحظوا حدوث تغييرات وتشوهات في وجوههم بعد مدة من تركيز النظر ، وهذا يمكن تفسيره طبقا لخدعة التلاشي المحيطي آنفة الذكر ، حيث أن تركيز المشاركين على وجوههم تسبب تدريجيا بعدم اهتمام الدماغ واهماله لبقية اجزاء الصورة مما أدى لتلاشي اطراف الوجوه وانبعاجها وتلاشيها .. لكن بماذا يمكن أن نفسر رؤية بعض المشاركين لحيوانات أو وجوه اشخاص غامضين ذوي نظرات حاقدة وغاضبة أو كائنات بشعة ومخيفة. في الحقيقة ، الباحث جيوفاني نفسه ، لا يجد تفسيرا لهذه الرؤى، لكنه يعتقد بأن الأمر مرتبط بتأثيرات وحالات نفسية وعقلية. وهذا بضعنا أمام معضلة حقيقية ، لأن هذه الدراسة بدل أن تفسر لنا بشكل علمي ومنطقي حقيقة الخرافات المتعلقة بالمرايا ، فأنها زادت من حيرتنا ، وجعلتنا نتساءل : هل الأمر حقا مجرد خداع بصر وهلاوس ؟ ام أن هناك حقا بعد وعالم آخر خفي داخل المرايا يمكن أن يظهر على حين غرة ليجرنا إلى هاوية مرعبة.
اخيرا يمكنك أنت أيضا عزيزي القارئ أن تجرب حظك مع المرآة ، قم بتقليل اضاءة الغرفة ، ثم ركز النظر على انعكاس وجهك في المرآة لعدة دقائق .. وأرجوا ان نسمع منك النتيجة وماذا سترى ، هذا طبعا أذا لم تظهر لك ماري الدموية لتخطفك وتسحبك معها إلى داخل المرآة لتبقى حبيسا هناك إلى الأبد!.
شارك القصة مع اصدقائك