من أكبر المعارك البحرية وأشرسها على الإطلاق معركة ليبانت ، التي وقعت بين الدولة العثمانية والتحالف الصليبي المكون من إسبانيا والبابا وإيطاليا ومالطة والبندقية ، وكان من أسباب اندلاع هذه المعركة احتلال الدولة العثمانية لقبرص التابعة للبندقية وجزر كريت .
مما جعل أهل البندقية يتوجسون خوفًا على أراضي إيطاليا كلها ، وعقد البابا حلفًا مع أسبانيا والبندقية وعرض على فرنسا الدخول ، ولكن ملكها شارل التاسع رفض دخول التحالف بسبب معاهداته مع الدولة العثمانية ، وهكذا تم عقد معاهدة بين الحلف الصليبي لمواجهة الدولة العثمانية .
كان الأسطول البحري الصليبي آنذاك بقيادة دون جوان ابن شارلكان ، يتكون من 70 سفينة إسبانية و140 سفينة تابعة للبندقية و12 سفينة للبابا و9 سفن لمالطا ، في مقابل 300 سفينة للدولة العثمانية بقيادة برتو باشا رئيسًا للقوات ، وعلي باشا بن المؤذن وعلي باشا أولوج والي الجزائر ، وجعفر باشا والي طرابلس وحسن باشا بن خير الدين .
وكانت السفن العثمانية سفن منيعة لها سمعتها التي لا تقهر في البحار ، حيث كانت مجهزة بمدافع جانبية قوية ، ولكن باشاوات الدولة العثمانية اختلفوا فيما بينهم ، فكان رأي القادة البحريين في الأسطول هو عدم خوض هذه المعركة غير المتكافئة ، إلا بعد قصف سفن العدو بالمدافع حتى تتلفها .
وتعطي الفرصة لسفن الأسطول العثماني لكي وتطارد الأسطول الصليبي بكل أريحية ويسر ، أو بمعنى آخر إنهاك الأسطول الصليبي قبل التلاحم ثم الانقضاض عليه ، ولكن برتو باشا ومؤذن باشا رفضا هذا الإقتراح وأعلنا أنهما قد تسلما أمرًا بالهجوم المباشر على الأسطول الصليبي .
ورغم إصرار برتو باشا على رأيه إلا أن قادة البحر الخبراء بالبحار كان لهم رأي أخر ، وهو أن يخرجوا للقتال في البحار المفتوحة ، لأن ذلك يعطيهم فرصة أكبر للمناورة واستخدام المدفعية بكفاءة ، ولكن لم يوافق برتو باشا على ذلك الرأي وأعلن أنه سيقاتل بالقرب من الساحل ، كما نصت الأوامر بالهجوم .
وكان هذا التصرف يعبر عن جهل بالحقائق وسوء في اتخاذ القرار ، حيث كان من الصعب إدارة حرب بهذا الحجم بالقرب من الساحل ، وكانت هذه هي بداية الخسارة ، حيث اصطف الطرفان الطرف الصليبي المكون من 231 سفينة والعثمانيون 300 سفينة ، على الطرف الأيمن لأسطول الدولة العثمانية كان يقف محمد شولاق بقواته ، أمام الجناح الأيسر للتحالف الصليبي بقيادة بربر يغو .
وعلي الجانب الأيسر كانت سفن أولوج علي مقابل سفن دوريا وفي الوسط يقودها علي باشا المؤذن في مواجهه دون جوان من الجانب الصليبي ، وعند ظهيرة يوم 17 جمادى الأول لسنة 979 هجرية الموافق 1571 ميلادية ، بدأ القتال بإطلاق المدافع من قبل المسلمين ورد عليها الجانب المسيحي بقوة.
وتفوق المسلمون من ناحية الجانب الأيمن حيث سقط بربر يغو من الصليبين وسقط من المسلمين محمد شولاق ، ولكن بعد ذلك مالت الكفة لصالح الصليبين ، وانتصر جنود الحلف المسيحي وقتل مؤذن زاده وغنمت رايته العثمانية المطرزة بالذهب ، وقتل وأسر العديد من نخبة البحارة المسلمين ، واستطاع الحلف الصليبي الاستيلاء على 300 مدفع عثماني .
وخطب بابا الفاتيكان بهذه المناسبة وشكر جون على ما فعله في تلك المعركة ، وفي الطرف الأخر نجح أولوج علي باشا من الاستيلاء على راية سفن مالطا ، والحفاظ على عدد كبير من السفن عاد بها إلى اسطنبول ، فعينه السلطان سليم الثاني قائدًا للقوات البحرية .
وبدأ بعدها محمد باشا الصقلي إعادة بناء الأسطول البحري بكل ما أوتي من قوة ، وفي خلال عام تم تشييد 250 سفينة جديدة فارتعدت البندقية من الخبر ، مما جعلها توافق على دفع غرامة حربية للخلافة العثمانية ، بالإضافة إلى التنازل عن جزيرة قبرص ، وبعد معركة ليبانت تخلى العثمانيين عن مشروع استعادة الأندلس .
وكانت هذه هي الهزيمة الأولى للأسطول العثماني منذ مائة سنة تقريبًا ، فوقع دوي الهزيمة في أوروبا كلها وعمت الأفراح وأقيمت الصلوات ودقت أجراس الكنائس في كل مكان من أوروبا ، وخطب البابا في كنيسة بطرس (الفاتيكان الآن) قائلاً : إن الإنجيل قد عين (دون جوان) نفسه حيث بشر بمجيء رجل من الله اسمه حنا .
وفي تلك المعركة الكبيرة مات أكثر من ثلاثين ألفًا من المسلمين ، وخسر العثمانيون 142 سفينة ، وقتل من الصليبيين حوالي 8 آلاف وسقط منهم 20 ألف جريح ، ولم تنس الدولة العثمانية القصاص لهزيمتها في معركة ليبانت ، فبعد أقل من عام قامت 220 سفينة عثمانية بتدمير سواحل إيطاليا الجنوبية ، لتعود من جديدة سيطرة العثمانيين على كثير من بقاع العالم .