وقعت معركة الحفائر عام 1911م ؛ وقد نشبت بين الدولة الإدريسية في منطقة المخلاف السليماني والتي يُطلق عليها في الوقت الحاضر اسم منطقة “جازان” بالمملكة ؛ وبين الدولة العثمانية ؛ تُعد تلك المعركة من أقوى المعارك العربية التي حدثت لتقف في وجه الدولة العثمانية .
أُطلق على المعركة اسم الحفائر نسبة إلى الآبار المائية التي وقعت المعركة بجوارها ، وكان يقود الدولة الإدريسية الإمام محمد الإدريسي ؛ حيث أن الدولة العثمانية أدركت مدى خطورة تحركاته على سيادتهم داخل المنطقة وما قد يترتب عليها نتائج سلبية تضر بمصالحهم .
قامت الدولة العثمانية بإرسال حملة يقودها محمد راغب باشا ؛ بهدف عرض مفاوضات للاتفاق مع الإدريسي ؛ وكانوا يأملون أن يخضع الإدريسي لتلك الحملة ويقبل التفاوض ، حينما وصلت حملة العثمانيين إلى الإمارة الإدريسية ؛ قام القائد التركي بمراسلة الإدريسي من أجل الوصول إلى الحل الذي يُرضيهم ؛ غير أنه اكتشف أنه يخاطب شخصية شديدة الذكاء والدهاء والشجاعة .
كان الإدريسي علي علم بإرسال العثمانيين لتلك الحملة ؛ فاستعدّ لها حيث قام باستدعاء رؤساء القبائل من حلي إلى الموسم ، كما قام أيضًا باستدعاء وزير المنطقة الشمالية الذي يُدعى الشريف حمود بن عبد الله آل سرداب الحازمي ؛ من أجل أن يعود مع الغالبية العظمى من قواته ، ووافقت القبائل على الالتقاء في الحفائر .
حينما فشلت المفاوضات مع الإدريسي ، تلقى القائد التركي الأوامر بالزحف والتقدم ؛ غير أنه كان يستعد لذلك دون أن يكون لديه الرغبة في ذلك الزحف ، قام جيش الإدريسي بمنع وصول الماء إلى مدينة جيزان ؛ ليشتد الحصار على الجيش العثماني ؛ مما أدى إلى اللجوء إلى جزيرة فرسان التي كانت تمد الأتراك بالماء عن طريق البواخر التركية .
قام الجيش العثماني بالتقدم في ثلاث اتجاهات محتميًا بالنيران الصادرة من المدفعية ، وكان الاتجاه الأول بالجناح الأيمن حيث أن وجهته هي طريق المضايا بالناحية الجنوبية ، ثم اتجهوا إلى القلب ناحية الآبار المائية أو الحفائر باتجاه طريق محافظة أبي عريش ، واتجهوا أيضًا إلى الجناح الأيسر باتجاه رأس المناجرة في طريق صبيا .
تقدّم الجيش العثماني إلى تلك المناطق مع بدايات انحسار الظلام ، وكان الجناح الأوسط أو القلب هو أكثر الفِرق سرعةً وتقدمًا ، وكان في مقدمته ضابط يُلقب عند القبائل باسم الأشرم ؛ وكان يقود جيشه بكل شجاعة ؛ غير أن واحدًا من رجال القبائل قام بإطلاق الرصاص عليه ؛ حتى لقي مصرعه ، وانتشرت النيران على الجيش العثماني بقوة ؛ مما أدى إلى هزيمة الأتراك هزيمة نكراء .
أصدر القائد العثماني أوامره إلى الجيش بالتراجع ؛ غير أن رجال القبائل قاموا بتعقبهم وقتل الكثيرين منهم ، وقد بلغ عدد القتلى من الجيش العثماني 2500 قتيل ، واستطاع العدد المتبقي من العثمانيين الوصول إلى منطقة جازان تحت حماية النيران الصادرة من المدفعية ، وقاموا بالاحتماء داخل جبال تلك المنطقة .
كان القائد العام لقوات العثماني بجنوب الجزيرة العربية آنذاك هو أحمد عزت باشا ؛ والذي أمر بأن تُرسل حملة إلى المخلاف السليماني يقودها الأميرالاي محمد راغب بك ، وتم تجهيز الحملة بالأجهزة الحديثة والرشاشات والمدافع ؛ وبلغ عدد جنودها أربعة آلاف .
حينما وصلت تلك الحملة إلى مدينة جيزان ؛ أمر الإدريسي بمنع وصول الماء إلى هناك ، واستطاع جيش الإدريسي أن يحاصر الأتراك بقوة ؛ واستطاع أن يسحقهم حتى تم اجلائهم نهائيًا عن المنطقة ، وأصبح الإدريسي صاحب قوة ونفوذ بالمنطقة ؛ كما أدي إلى اتحاد قبائل المخلاف السليماني .