في احدى الغارات التي تشنها بعض القبائل على البعض، اخذ المغيرون الطفل زيد وباعوه في السوق، ولم يكن ذلك غريباً في ايام الجاهلية في الجزيرة العربية، بل لقد امتد الرق الى القرن التاسع عشر الميلادي والقرن العشرين، وكان من حسن حظ زيد ان السيدة خديجة رضي الله عنها هي التي اشترته واهدته الى زوجها محمد قبل أن يبعث برسالة السماء لكي يشرف هذا الصغير بخدمة الامين ، وعلم والد زيد بالأمر واسرع مع شقيقه الى محمد الامين يسأله أن يرد ابنه ويوافق محمد بشرط ان يخير الطفل بين ان يبقى معه او يذهب مع والده، ويختار زيد البقاء مع محمد، ويمنحه الرسول حريته بل يمنحه اسمه ايضاً واصبح ينادي بزيد بن محمد .
وينزل الوحي على الرسول، عليه الصلاة والسلام ويؤمن به زيد كما آمنت به خديجة رضي الله عنها ويصبح زيد من المسلمين الصادقين، ويعود اليه اسم ابيه فيصبح زيد بن حارثة ويولد له ابن يسميه اسامة، ومنذ وقت مبكر يلمع اسامة، ان اباه يقود بعض السرايا والفرق ويقاتل في سبيل الاسلام، ويسعى الصغير اسامة لكي يشترك في معركة أحد، ولكنهم يعيدونه من حيث أتي لصغر سنه، انه لم يتجاوز العاشرة من عمره .
وفي فتح مكة يدخل رسول الله صلي الله عليه وسلم مكة وقد اردف اسامة على راحلته من ورائه ويظل الشاب خلف رسول الله وهو يعلن صيحته الشهيرة : اذهبوا فأنتم الطلقاء، وبدأ رسول الله بعد فتح مكة يستعد لقتال الروم في الشمال وكان بينهم وبين المسلمين ثأر قديم، اذ نشبت بينهم معارك عدة، اهمها معركة مؤته التي استشهد فيها زيد بن حارثة والد بطلنا اسامة وكان لابد من الاستعداد لقتالهم، لذلك اعد الرسول جيشاً ضخماً وضع على رأسه اسامة وهو لم يبلغ العشرين من عمره .
وكان من بين جنود هذا الجيش ابو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وكبار الصحابة رضي الله عنهم اجمعين، وقد دهش المسلمون لاختيار الرسول لهذا الشاب قائداً للأبطال من بدر واحد، من الخندق ومؤته وتبوك، ولكن الرسول بهذا الاختيار الرائع اثبت ايمانه بالشباب ومنحه الفرصة ليثبت جدراته وكان الجيش على وشك الانطلاق لولا مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي الرسول وكان من وصاياه ” انفذوا جيش اسامة ” وكان لابد للخليفة الأول من ان يستجيب، وبرغم حروب الردة وامتناع بعض المسلمين عن دفع الزكاة، فقد امر ابو بكر جيش اسامة ان ينفذ ويمضي ليؤدي دوره ورسالته، ومشى الخليفة ابو بكر على قدميه واسامة يمتطي حصانه ويحاول الفتى القائد ان يترجل فيأبى الخليفة ذلك ويرفض ويظل يمضي بجانب حصان الفارس قائلاً : ما علي ان أغبر قدمي في سبيل الله ساعة .
ويوصي الخليفة ابو بكر الفارس الشاب اسامة ويستأذنه في ان يستبقي عمر في المدينة ويأمره ان ينفذ ما امره به رسول الله، ويمضي الجيش لكي يضرب الروم ضربات سريعة خاطفة لا يكادون يفيقون منها، واستطاع اسامة خلال معارك دامت قرابة الشهرين ان يوقع بالاعداء هزائم كبيرة وتمكن من الانتقام لأبيه ولشهداء مؤته، ويعود الفارس البطل منتصراً ممتطاً نفس الحصان الذي كان ابوه يركبه عندما استشهد، ويستقبل ابو بكر البطل اسامة وجيشه العائد بالنصر استقبالاً حافلاً .
وفي عهد عمر بن الخطاب يبدأ الخليفة في تخصيص المرتبات والمنح للمسلمين من الخير الذي حصلوا عليه، وكان نصيب البطل اسامة استثنائياً اذ فرض له اربعة آلاف درهم
كان يفرض خمسة آلاف درهم لمن شهد بدراً واربعة آلاف لمن شهد احداً ولكل من هاجر ثلاثة آلاف درهم .. إلخ
وقد غضب عبد الله بن عمر من موقف ابيه وقال له : فرضت لي ثلاثة آلاف وفرضت لأسامة اربعة آلاف وقد شهدت مع رسول الله ما لم يشهده اسامة،
فأجابه عمر : زدته لأنه كان احب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وكان ابوه احب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابيك .
هذه هي قصة البطل الذي قاد جيوش المسلمين والعرب وهو في سن تقل عن العشرين لانه كان يعد نفسه للقيادة والقتال .