قصة فلكلور وحشي


من بين الكلمات الدراجة في حياتنا تنبثق كلمة اسطورة لتضفي شيئاً من الاثارة والمتعة في خضم حياتنا الروتينية المملة، فهي تحملنا إلى عالم خرافي رسمناه في رؤوسنا بعيون الخيال وأضفنا إليه من مخيلتنا الواسعة حتى صار رديفاً للحقيقة ومتنفساً لنا من عالم الواقع المثقل بالمشاكل والهموم .. لا عجب بعد هذا أن نجد أفلام ومسلسلات الاساطير والخرافات والخوارق هي الأكثر شهرةً ومبيعاً رواجاً في عالم اليوم ..

هذا الولع الشديد بالاسطورة والخيال نتشاركه من اجدادنا الذين رسموا لنا عالما خيالياً في صورة ابراج وابطال خارقين وآلهة اسطورية ووحوش خرافية مهيبة رسمتها النجوم في عنان السماء لتتخذ منها لوحة رمزية عن المعجزة التي لم ولن نصدقها يوماً..

لكن من يدري ماذا يتوارى خلف كل تلك القصص الاسطورية ؟.. ولعلها لا تخلو من حقيقة ووقائع تاريخية حولتها العصور إلى اساطير وخرافات .. على العموم لن اصدعكم رؤوسكم بسفسطة فلسفية مبتعداً عن لب الموضوع ، دعونا نبحر معاً في عالم الخيال لنطارد بعضا من تلك الاساطير الرائعة ملتمسين جذورها الواقعية.

!@!
كراكن (Kraken

يعتبر احد الاساطير الاسكندنافية، وبسببه عاش البحارة حالة من الذعر في العصور الوسطى خاصة عند ابحارهم في المياه العميقة لاعتقادهم بوجود كائنات الكراكن البحرية العملاقة التي تمتلك ثمان اذرع وتأكل اللحم البشري، وقد ذكروا الكراكن كوحش عاتي لا يرحم في الفلكلور النرويجي.

انتشر صيت كراكن بسبب القصص التي كانت متداولة عن وجود اخطبوط عملاق يثير الذعر في اعماق مياه النرويج وغرينلاند مستهدفا السفن محاولاً ابتلاعها بما فيها والنزول بها إلى القاع. يقال انه كان يطبق اذرعه الثمانية بقوة حول المركب ليسحبه إلى الاسفل حيث القاع الحالك الظلمة. واذا فشلت كراكن في ذلك فانها كانت تلتف حول السفينة في دوائر لتشكل دوامة بحرية رهيبة تهلك السفينة وكل من عليها.

الحبار العملاق

يذكر ان اسطورة كراكن الحقيقية مقتبسة من حيوان الحبار العملاق والذي قد ينمو إلى احجام عملاقة ومفزعة للغاية ليشكل رعباً للصيادين .

هاربي (Harpy

صورت هذه الكائنات ذات الخبث الدامي في الاساطير الاغريقية الرومانية في صورة اناث بشرية انتهازية تمتلك جسد طائر جارح ، ويتم تصويرها أحياناً بأنها جميلة جداً وذات جسد انثوي فذ وتلهب الابصار والافئدة ، وفي احيان اخرى تتسم بالقبح واجنحة واجساد مشوهة ، واكثر ما يثير التقزز في هذا التصوير هى رائحتها التي لا تطاق.

كانت مهمة كائنات هاربي الرئيسية هي الاختطاف والسرقة ، وقد تم ذكرهن في الميثولوجيا الاغريقية على أنهن عقاب من الآلهة على فينيوس الاعمى ، الذي كان احد ملوك تراقيا عاقبته الالهة بالنفي إلى جزيرة نائية وسط البحر حيث عندما كان يحاول ان يسد رمقه ولو بكسرة خبز فتسرع الهاربي التي تحوم فوق رأسه بسرعة رهيبة فتخطف منه طعامه لتتركه جائعاً ذليلاً.

وقد اشتهرت أيضاً انها كانت تخطف الاطفال، وأحياناً البالغين. وكانت تعذب الناس بأمر الآلهة احياناً.

وقد ظهرت في فيلم "فان هيلسنج" من بطولة هيو جاكمان ككائنات متمردة عن الكنيسة متحالفة مع الكونت دراكولا تعشق مص الدماء بنهم.

وفي نظرتي الشخصية ككاتب ارى الاسطورة اقتبست ومزجت بين انتهازية الطيور الجارحة والخبث الذي ينسبه البعض للنساء ، فمثلاً هناك نوع من الطيور الجارحة يدعى الحدأة .. هو طائر سارق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، يختلس الاسماك من شباك الصيادين ليقطع رزقهم ، وأحياناً تهاجم البشر من اجل سرقة اطعمتهم اللذيذة من بين اصابعهم .

نوبيرا بو (Noppera-bō

عندما نتكلم عن اسطورة وحشية قديمة عفا عنها الزمان فأننا هنا قد نذكر مسخاً اعتيادياً يهوي من السماء ضارباً الهواء باجنحته، او ينبثق من جوف الاعماق محملاً ببلل المياه ، حيث يكون مدججاً باسلحة خارقة قاتلة واعين حمراء لامعة لا تشي إلا بالشر ، ولكن نوبيرا بو كائنات غير اعتيادية ومختلفة تماماً عن اي اسطورة أخرى ..

أنها اسطورة وحشية قادمة إلينا من ارض اليابان، حيث صورت ككائنات بهيئة بشرية لكن لا تمتلك اي ملامح، أي أنها بدون وجه .. بلا انف او اعين أو فم او اي شيء يشير إلى ماهيتها ، وهي تعتبر كائن اسطوري في الفلكلور الياباني يسمى بالشبح بدون وجه، ويقال انها كانت امرأة عادية تعيش في قديم الزمان ، لكن حكام اليابان القدامى عاقبوها ومسحوا وجهها وتركوه دون ملامح.

تظهر نوبيرا بو كأي امرأة عادية في بادىء الأمر ، ثم فجأة تختفي وتزول ملامح وجهها فتترك أثراً مرعباً في نفس الضحية التي تود أن تتلاعب بها. وعموماً نوبيرا بو تعتبر كائنات غير مؤذية جسدياً لكنها مولعة بإخافة وإفزاع الناس والتلاعب بهم.

لوياثان (Leviathan

لوياثان يعتبر وحشاً مقدساً لا يجب المساس به أبداً ، حيث ذكر في الكتاب المقدس بأنه وحش بحري رهيب ملتوي يشبه التنين في تكوينه الخارجي ، وهو قادر على الفتك بأي شخص يقع تحت براثنه ، حيث يمتلك فكاً ضارياً والموت قادم لامحالة لمن يجرؤ و يقترب من فمه ، وقد وصف بانه لا يتأثر بأي ضربة سيف او رمح ، والنظر إليه في حد ذاته شيئاً لعيناً لا يطاق ، ولا يمكن أيضاً اصطياده وحبسه لانه يهشم الحديد مثل القش ، وقد اشير إليه بأنه زعيم الجبابرة وملك الوحوش العاتي الذي لا يهزم.

يعتقد بعض الباحثين ان وحش لوياثان ما هو إلا نوع من التماسيح او القروش النادرة ، ولكن يبدو ان لوياثان كما صور في الكتاب انه زاحف بحري ضخم يشبه التنين ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بانواع الموزاصورات المائية.

وينديجو (Wendigo

كائنات شريرة اكلة للحوم البشر تمثل روح الشرالمحلية في فلكلور بعض قبائل هنود الحمر، وقد ترعرت الاسطورة في عدة مناطق من الولايات المتحدة وكندا.

تم ذكر هذه الكائنات اول مرة في كتابات المبشرين الإنجيليين ، فعند حديثم عن قبيلة جونكون التي تقطن غابة سحيقة بجوار نهر اوتاوا ، قالوا بأن رجالها أصيبوا بمرض غريب يجعلهم منهكين ومتعبين بدرجة لا توصف مما يجعلهم عاجزين عن الصيد فيتحلوا إلى اكلي لحوم بشر :

"لقد كان هؤلاء الرجال نهمين للغاية لالتهام اللحم البشري ، كانو ا يهاجمون النساء و الاطفال والرجال طمعاً في الحصول على مصدرا للحم ليسد رمقهم، كانوا وحوشاً ثائرين، وكان نهمهم لتناول اللحم البشري لا يوصف بالمرة".

في الحقيقة وينديجو توصف في خرافات الهنود الحمر على انها كائنات مخيفة تتلبس باجساد البشر فتفقدهم صوابهم وتحولهم إلى قاتلين واكلي لحوم بشر، وتم وصفها بأنها ذات اجساد نحيلة للغاية تبرز أضلاعها من بين جلودها ، واعينها كانت جاحظة جداً تغور في محاجرها ، و ترتبط هذه الكائنات ذات الصيت الدامي بجرائم القتل المأساوية والنهم والجشع. إحدى القصص الشهيرة عن هذه الكائنات والتي تناولتها الصحف هي عن صائد يدعى سويفت رانر ، حاصرته الثلوج مع زوجته واطفاله عام 1878 فيجوعون بشدة، فيقوم سويفت بقتل زوجته واطفاله الخمسة ويلتهمهم وينجو من الموت جوعاً، لكن يلقى القبض عليه لاحقاً ويحاكم ويعدم ، وبحسب صحف ذلك الزمان فأن سبب جريمة سويفت هو أن كائنات وينديجو تلبست بجسده ودفعته لارتكاب جريمته البشعة.

كميرا (Chimera

بصفة عامة فان كميرا هي كائن برز في الاساطير اليونانية ، عند النظر إلى وجهه ستظن انه مجرد ليث عادي مثله مثل اي اسد قد تلمحه في حديقة الحيوان ، ولكن بعد ان ينهض من رقدته و يستدير لك ويكشف جسده المهيب .. ستكتشف انك امام مخلوق شاذ يمتلك رأس اسد ورأس شاه منبثقة من المنتصف ، مع ذيل غريب برأس افعى مغطاة بالحراشف الغليظة حيث تنفث سماً مميتاً.

يعتبر كميرا كائن اسطوريا مهيباً مزود باسلحة فطرية، حيث أن رأس العنزة التي في المنتصف قادرة على نفث النيران وتحويل اي شيء امامها لرماد متطاير في ثوان معدودة ، غير ان الفلكلور يقول انها لاقت حتفها على يد البطل الكورنثي بلِّيروفون ، الجدير بالذكر ان كميرا صورت في كل مردافاتها ككائن انثوي لا يقهر، لكنها ككلمة تطلق أيضاً مجازاً على الوهم والخيال المضطرب.

ابو الهول (Sphinx

دعني اصدمك ايها القارىء واقول ان تمثال ابو الهول اشهر المعالم السياحية في مصر له اسطورة فلكلورية تصوره ككائن عاتي يعود لعام 9500 قبل الميلاد!

وقد صور المصريون القدامي هذه الكائنات على انها كائنات قوية للغاية لاتقهر ، وقد نحتوا لها التماثيل التي تحمل اغلبيتها راس الانسان مع جسد الاسد ، والمعلومة الادهى ان ابو الهول أيضاً ذكر في الفلكلور اليوناني ككائن شرير لا يرحم مع ذكاء خارق "يتجاوز ذكاء اينشتاين" ، ولهذا اصبغوا عليه ذيل الثعبان المرقط بدلاً من ذيل الاسد وارفقوه بجناحين كالطيور.

ومن اشهر قصص هذا الكائن هى قصة اوديب في ارض طيبة ، حيث وطأ اوديب ارض طيبة والتي كان يحميها ابو الهول ليلتقي به ويطرح عليه الاخير احاجيه المعقدة الشهيرة، وعندما استطاع اوديب الاجابة على كل احاجي ابو الهول امتعض الاخير وتعجب من ان هناك انسان على وجه البسيطة يضاهي دهائه ، فقتل نفسه على الفور من شدة جنونه.

كالوباليك (Qalupalik

الكالوباليك هى ايقونة الرعب المعهودة عند اطفال الاسكيمو الغافلين ، حيث يخشى الاطفال هناك من السير على الجليد الرقيق او الاقتراب من حواف المياه بسبب خوفهم من كيان عاتي يقتات على لحومهم يدعى كالوباليك ، حيث انها كائنات خرافية يتم سماعها كثيراً وهى تدندن اغنية غريبة من تحت سطح الماء ، وقد تتوقف الاغنية ويسمعون بعدها طقطقة غريبة ليتصدع الجليد الرث من تحت اقدامهم ، حيث تقفز المخلوقة الشريرة من الماء بسرعة مهشمة طبقة الجليد الرقيقة لتغرز مخالبها الطويلة في جسد الطفل المذعور عنوة ، وبعدها تأخذه معها إلى داخل المياه الباردة السحيقة ، حيث يعتقد انها تحمل جرابا صوفيا فوق ظهرها لتضع الطفل المغدور فيه وتهبط به إلى المياه حيث تملأ المياه الباردة رئتيه وتتجمد الدماء في عروقه ، واخر ما قد يسمعه خلفه وهو يري النور الخافت من تحت سطح الماء هو صراخ ذويه ونحيبهم.

هذه الاسطورة على الأغلب نشأت من رغبة الأهل في ابعاد الأطفال عن حواف الجليد الخطرة خوفا عليهم من الغرق، لذلك كان يتم تخويفهم بالوحش المختبيء تحت تلك الحواف الرقيقة لكي يصطادهم ويلتهمهم.

بنانغلان (Penanggalan

يبدو ان الوحش الانثوي الفلكلوري حاضر بكثرة في اغلب اساطير الشعوب ، بنانغلان هي واحدة من اشهر الكائنات الاسطورية في الفلكلور الماليزي ، خلال النهار تكون مجرد امراة عادية مسالمة تهتم بأمور حياتها ، لكن عند حلول الظلام ينفصل رأسها من على جسدها حاملاً اعضائه الداخلية ورائه ليمضي باحثاً عن النساء الحوامل واطفالهن حديثي الولادة ليتغذى بلسانه الطويل على دمائهم.

وهي تقبع بالقرب من المنازل التي تحظى بمولود جديد لتشرع في الهجوم عليه وعلى أمه على الفور ، حيث تحشر لسانها الطويل في اي صدع من جدران المنزل ، لتتغذى على الدم واللحم بشراهة. وقبل شروق الشمس يعود الرأس مجدداً إلى جسده الاجوف ، وبعدها تشرع في نقع اعضائها المتساقطة في وعاء خل تحتفظ به في بيتها لتنظفها ، وهى قد تعمل كداية او اي وظيفة تقربها من الحوامل ، ويعتقد انها مجرد نوع من مصاصي الدماء يتمثل في امرأة عادية صنعت اتفاقية مظلمة لتحصل على قوى خارقة ، ولكن بعد ان كسرت ميثاقها صنعها وحشاً دموياً لا يرحم .

إيتان مومين (Ittan-momen

تعتبر اليابان اكثر البلاد تقدماً ورقياً ولكن اسطورة اتان مومين تعكس خلاف هذا بكثير ، وحشنا هذه المرة ليس مصاص دماء او حتى زومبي يجول الاحياء الاسفلتية بدون كلل او ملل ، بل هو هذه المرة بالكاد يعتبر وحشاً ؟؟ ..

حيث أن وحشنا المهيب هو عبارة عن مجرد منشفة قماشية طويلة تسكنها روح شريرة ، حيث تطير كل ليلة في الهواء للبحث عن ضحايها عن كثب ، وعندما تجد ضحية تلتف حولها لتسبب لها الاختناق ، وان كانت الضحية ذات جسارة وقاومت فإن اتان مومين ستصادقها وستلتف حول اكتافها لتحقق كل امانيها التي ستطلبها منها بعد ذلك !

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك