كان في احدى القرى البعيدة فتاة جميلة ، كانت أخت زعيم القرية و أسمها نحرة ، كانت دائمة المرح مع صديقاتها ، و كان لأخيها حصان أصيل وجميل يحبه كثيراً إلى درجة أنه كان له بئر خاصة يشرب منها ولا يقربها أحد من أهل القرية و إلا فالويل له ، لكن ذات يوم بينما كانت نحرة مع صديقاتها يتجولن في القرية وقفن عند البئر يتراهن من تستطيع أن تشرب من البئر دون خوف ، فلم تقبل أي واحدة أن تشرب خوفاً من بطش أخو نحرة ، لكن نحرة تحدتهم وشربت لأنها كانت فتاة شجاعة ، وعند هبوط الليل جاء أخوها مع حصانه إلى البئر كعادتهما لكن الحصان رفض أن يشرب وصهل و رفس بحوافره ، أحتار أخو نحرة في أمر حصانه و بدأ يتفقد البئر ، و فجأة وجد شعرة سوداء طويلة ، و من شدة غضبه أقسم أنه سيتزوج الفتاة صاحبة الشعرة حتى لو كانت أخته نحرة و بدأ بالبحث والتقصي حول من قرب البئر ، فعرف بقصة الرهان بين الفتيات وبين أخته فاقسم أن يتزوجها لشدة غضبه لأنها كانت تعرف شدة حبه لحصانه.
!@!
وما أن سمعت أخته بالأمر حتى فرت هاربة من القرية نحو الجبال ، لكن أخاها لحق بها وحاول إمساكها وهي تركض حتى وصلت إلى اسفل جبل سد عليها طريقها فتوسلت الى الجبل بدموعها أن يساعدها وطلبت منه أن يفتح لها شقاً تختبئ فيه ، رق الجبل لها وفتح شقاً لتدخل فيه لكن يدها علقت في مدخل الشق وقطعت يدها عندما انغلق الشق في الجبل.
حزنت نحرة وتألمت كتيراً على فقدانها يدها لكنها فرحت بنجاتها من أخيها ومن فعلته الشنيعة ، أما أخوها فقد أخذ يدها وعلقها على قمة منزله عبرة لأهل القرية ، أما نحرة فقد خرجت من الجبل شاكرة إياه وأخذت تهوم في الأرض تأكل من الأشجار وتشرب من الينابيع ، و ذات يوم دخلت أرضاً شاسعة مليئة بالفواكه و المزروعات من كل الأنواع حتى أنها رأت بيتاً كبيراً وجميلاً يشبه القصر وسط هذه الأرض فاختبأت بين الأشجار وكانت تأكل من الزرع والفواكه.
و ذات يوم بينما كانت تحاول قطف بعض الثمار تفاجأت بحارس الأرض يمسكها ويعنفها قائلاً : "أذن أنتِ لص الفاكهة والزرع ، مع أنك جميلة إلا أنك لصة" ، و سار بها إلى صاحب الأرض ، وعند دخولها إلى المنزل الكبير فوجئت بجماله وبالتحف الموجودة فيه لكن خوفها لم ينسها ما هي فيه كما أنها خبئت يدها المقطوعة والتي كانت متورمة لأنها لم تعالج.
نظر صاحب الأرض اليها و اعجبه جمالها ، سألها عن فعلتها ، فلم تجب وتظاهرت بأنها بكماء ، رق قلبه لها و أحس بأنها فتاة مسكينة لكن عيناً أخرى كانت تتأمل جمالها بنظرة حسودة ، لقد كانت زوجته التي لم يكن يحبها لسوء أخلاقها و عجرفتها ولم يكن زواجه منها سوى صلة القرابة بين عائلتيهما و مصالحهما المشتركة ، أمر صاحب الأرض بأن تبقى نحرة في العلية رغبةً منه في مساعدتها والبحث عن أهلها ، لكن زوجته شعرت بخطر جمال نحرة وبراءتها الطفولية فبدأت تراقبها لتجد طريقة تتخلص بها منها ، فلاحظت أن نحرة تخبئ يدها بين ثنايا ثوبها ولم تعرف سبب ذلك ، فبدأت توسوس لزوجها بأن الفتاة ساحرة أو ملعونة و لكن زوجها لم يصدقها ، لكن زوجته جاءت بفكرة شيطانية فاشترت صوفاً وقالت لزوجها : "اذا كانت بريئة فلتغزل هذه الصوف في مدة شهر واذا كانت ساحرة وقطعت يدها لسبب ما فسيظهر كذبها و خداعها".
لم يجد زوجها ما يقول أمام حيلة زوجته فأمر بتنفيذ فكرة زوجته أملاً أن تكون الفتاة بريئة ، أما نحرة فقد فوجئت واحتارت ماذا تفعل ، هل تهرب والى أين تذهب ؟ كانت تبكي ليل نهار من الورطة التي وقعت فيها.
و ذات يوم كانت حمامة تقف عند نافذة نحرة فسمعت بكائها فرق قلبها وسألتها ما بها ؟ فحكت لها نحرة قصتها الحزينة ، لكن الحمامة فاجأتها قائلة : "ماذا لو ساعدتك في مشكلتك هل تعطيني بعض الصوف لبناء عش لصغاري ؟".
بهتت نحرة و دهشت وقالت : "كيف ستساعدينني ؟".
قالت الحمامة : "أنا كثيرة التجوال و في احدى المرات وقفت على منزل في احدى القرى و كانت يد معلقة في قمته ، سأحضرها إليك مع بعض الأعشاب الطبية وسوف تشفين ، ثقي بي".
وافقت نحرة على فكرة الحمامة فليس لها حل أخر ، غابت الحمامة بضعة أيام لكنها عادت تحمل يداً في منقارها ، فرحت نحرة خاصة و أنها عرفت أنها يدها و بدأت بعلاجها فوراً فلقد أحضرت لها الحمامة بعض الأعشاب الطبية حتى شُفيت تماماً ، وقد أهدت الحمامة بعض الصوف من أجل عشها ، لكن لم يبقى من الشهر سوى أسبوع واحد فقط وتنتهي المهلة من صاحب الأرض و زوجته ، فبدأت نحرة بالغزل فوراً ولم تتوقف ليل نهار.
وفي اليوم المحدد جاء صاحب الأرض مع زوجته عند نحرة فوجدوها جالسة كعادتها تخبئ يدها في ثيابها ، فرحت زوجة صاحب الأرض لكن فرحتها لم تدم إذ ما لبثت نحرة أن أخرجت يدها وأمسكت بالثوب المغزول من الصوف ، كان الثوب جميلاً فدهشت الزوجة وصاحت : "إنها ساحرة ، كيف استطاعت غزل كل هذا الصوف في مدة شهر ؟".
وهنا تكلمت نحرة لتزيد من دهشة صاحب الأرض زوجته وحكت له ما حدث معها من البداية ، فعرف أنها فتاة شريفة لم ترضى بالخطيئة و هنا قرر الرجل طرد زوجته اللئيمة لأنها حاولت أن تؤذي الفتاة و لأفعالها السابقة أيضاً فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي يرى شرها وحقدها على الضعفاء ، وقرر الزواج من نحرة لما رأى فيها من عفة ومحافظة على نفسها رغم ما مر بها فهي فقدت يدها لتنقذ شرفها.
هذه قصة كنا نسمعها و نتبادلها في الصغر سمعناها من جداتنا.