في مدينة بخارى ولد شريك بن عبدالله النخعي عام 95 للهجرة ، وفي مدينة الكوفة اشتهر بأنه صاحب علم واسع وفضل كبير وهناك بدأ يعلم الناس ويفتيهم في أمور دينهم ودنياهم وكان رحمه الله لا يبخل بعلمه أبداً على أحد وكان في مجلس علمه لا يفرق بين الفقير والغني وفي ذلك يُحكى أن أحد أبناء الخليفة المهدي فدخل عليه وأخذ يستمع لدروس العلم التي يلقيها شريك بن عبدالله النخعي وأراد أن يسأل سؤال ، فسأل السؤال وهو مستند على الحائط .
فلم يلتف إليه القاضي فأعد الأمير السؤال عليه مرة ثانية فأعرض عنه ولم يلتف إليه فقال له أحد الحاضرون كأنك تستخف بأولاد الخليفة المهدي ولا تقدرهم حق قدرهم ؟ فقال شريك لا هذا ولكن العلم أزين عند أهله أن تضيعوه فما كان من الأمير إلا أن جلس على ركبتيه ثم سأله فقال له شريك هكذا يُطلب العلم ، وعرض عليه الخليفة أن يتولى القضاء ولكنه امتنع عن ذلك وأراد أن يهرب من هذه الأمانة الثقيلة العظيمة خوفاً أن يظلم أحد صاحب حق .
فعندما دعاه الخليفة المنصور وقال له أنني أريد أن أوليك أمر القضاء ؟ فرد عليه وقال أعفني يا أمير المؤمنين فلم يرضى الخليفة وقبل شريك تولي القضاء ، وأخذ ينظر لمظالم الناس ويحكم فيها بالعدل ولا يخشى في الله لومة لائم ، من القصص التي تبرهن على قوته وعدم خشيته للأمراء أنه جلس ذات يوم في مجلس القضاء وإذا بسيدة تدخل عليه وتقول ” أنا بك ثم بالله يا نصير المظلومين ” فرد عليها قائلاً من الذي ظلمك .
فقالت السيدة الأمير موسى بن عيسى بن عم أمير المؤمنين فقال لها شريك كيف ذلك فقالت السيدة أنه كان لديها بستان على شاطئ الفرات فيه زرع ونخل وقد بنيت له حائطاً وفي الأمس بعث الأمير موسي ب500 غلام فقاموا باقتلاع الحائط فأصبحت حينها لا أعرف حدود بستاني من بستانه وحينها كتب القاضي إلى الأمير .
وقال له أما بعد أبقى الله الأمير وحفظه جائتني سيدة وذكرت أن الأمير قد اغتصب بستانها ليلة الأمس فليحضر الأمير الحكم الساعة ، والسلام ولم قرأ الأمير كتاب القاضي شريك غضب غضباً شديداً ونادى على قائد الشرطة وقال له اذهب للقاضي شريك وقل له على لساني ما رأيت أعجب من أمرك كيف تنصف على الأمير موسى سيدة حمقاء لم تصح دعوها أبداً فقال له قائد الشرطة أرجو من الأمير إعفائي من تلك المهمة لأن القاضي كما تعلم صارم جداً فقال له الأمير بغضب شديد أذهب وإياك أن تتردد فخرج القائد من عند الأمير وهو لا يدري كيف له أن يتصرف وقال لغلامه أذهبوا وضعوا في السجن طعام .
وذهب قائد الشرطة للقاضي فقال له القاضي إنني طلبت من الأمير أن يحضر بنفسه فبعثك تحمل رسالته التي لا تغني عنه شيئاً ، في مجلس القضاء ؟ ونادى على غلام المجلس وقال له خذ بيده وضعه في السجن فقال له صاحب الشرطة ولله لقد علمت أنك سوف تسجنني فقدمت ما سوف احتاج إليه في السجن ، وبعث الأمير موسى ببعض أصدقائه ليكلموا القاضي فأمر بسجنهم جميعاً ، فلما علم الأمير بما حدث ذهب وفتح باب السجن وأخرج من فيه .
فلما علم القاضي بالأمر قال لغلامة ” هات متاعي وألحقني بأرض بغداد ولله أبداً ما طلبنا هذا الأمر من بني العباس ولكنهم هم الذين أكرهونا عليه وقد ضمنوا لنا أن نكون فيه أحراراً أغزة ” فلما علم الأمير موسى بن عيسى بذلك الأمر أسرع ولحق بركب القاضي وقال له أتحبس إخواني بعد أن حبست رسولي إليك فرد القاضي عليه قائلاً نعم لأنه تصدروا لك في أمر ما كان لهم أن يفعلوا ذلك وقبلهم تلك الوفادة تعطيل للقضاء وعدوان على العدل ولست براجع عن غايتي وأن يردوا جميعاً للسجن فمضيت لأمير المؤمنين فاستعفت من القضاء فخاف الأمير موسى وأسرع بردهم للسجن .
وجلس حينها القاضي بمجلس القضاء واستدعى السيدة المتظلمة وقال لها هذا خصمك حضر فقال الأمير قد حضرت أما تأمر بخروج المحبوسين فقال القاضي أما الآن فلك ذلك ، فسأل الأمير عما تدعيه المرأة فقال الأمير موسى صدقت فقال القاضي ترد ما أخذت منها وعليك ببناء الحائط كما كان فرد عليه الأمير وقال سأفعل ذلك وسأل القاضي السيدة أبقي لك شيئاً فقالت جزاك الله خيراً وقام الأمير وهو يقول من عظم أمر الله أذل الله له عظماء خلقه .