تعد هذه القصة واحدة من روائع الأدب العالمي للطفل ، التي تبرز قيمة الحب بين الأقوى والأضعف وتنفر من قيمة الأنانية ، فحينما تنازل العملاق عن أنانيته ، وجد جزاء فعله الطيب على يد طفل أراد به الكاتب تجسيد السيد المسيح .
نبذة عن المؤلف : أوسكار وايلد مؤلف مسرحي وشاعر وروائي انجليزي ايرلندي ، احترف الكتابة بكافة أشكالها وأبدع فيها ، ووضع بصمة كبيرة في أدب الطفل ، استطاع بها أن يصبح واحداً من أشهر الكتاب في بداية التسعينات ، وكانا أبواه من المثقفين ، ولكنه اتهم في قضية وتم سجنه وبعدها مات في سن مبكر .
قصة العملاق الأناني : اعتاد الأطفال أن يلعبوا في حديقة العملاق الذي سافر منذ زمن بعيد ، وهم عائدون من المدرسة كل يوم ، فقد كانت الحديقة جميلة تمتلئ بالعشب الأخضر الناعم والزهور المتفتحة التي تشبه النجوم ، وكانت هناك اثنتا عشرة شجرة تثمر الخوخ اللذيذ ، تجلس الطيور على أغصانها وتغني أجمل الألحان حتى أن الأطفال كانوا يكفون عن اللهو ليستمعوا إليها ، وكانوا يعربون عن سعادتهم باللعب في حديقة العملاق .
وذات ليلة عاد العملاق بعد زيارة طويلة دامت سبع سنوات لصديقه الغول الذي يعيش بكورنوول ، وحين بلغ حديقته رأى الأطفال الصغار يلعبون في الحديقة فصاح بصوت غليظ : ماذا تفعلون هنا ؟ ، وطردهم فبادر الأطفال بالفرار ، وبعدها بنى العملاق سياجاً حول الحديقة حتى لا يدخلها أحد سواه ، ووضع على بابها لافته تقول : المتعدون سيعاقبون .
كان هذا العملاق شديد الأنانية لا يفكر سوى في سعادته ، أما الأطفال البؤساء فلم يعد لديهم مكان يلعبون فيه ، وكانوا كلما حاولوا اللعب على الطريق تعثروا في الصخور الصلبة الموجودة فيه ، لذا لم يرق لهم اللعب خارج حديقة العملاق ، فاعتادوا كل يوم أن يدوروا حول السياج ؛ الذي بناه العملاق بعد انتهاء المدرسة ويتكلموا عن الحديقة الجميلة بالداخل و كم كانوا سعداء هناك ! ثم جاء الربيع وانتشرت الزهور بألوانها الرائعة وغنت الطيور في أنحاء البلاد ، بينما استمر الشتاء في حديقة العملاق الأناني ، فالزهور لم تتفتح والطيور لم تغني هناك حيث لا يوجد أطفال ولا أشجار مثمرة ، وذات مرة أخرجت زهرة رأسها من بين الأعشاب في محاولة للخروج لكنها حين أبصرت اللافتة التي تمنع الأطفال من الدخول أسفت من أجلهم وعادت برأسها لتسكن بالداخل كما كانت .
لم يكن هناك سوى الثلج والصقيع بحديقة العملاق ، الثلج الذي غطى العشب بعباءته البيضاء والصقيع الذي لون الأشجار باللون الفضي وزادت عليهما الريح الشمالية التي جاءت ومعها البرد وظلا يضربان القلعة كل يوم حتى حطما أكثر الألواح في السقف ، الأمر الذي أحزن العملاق وجعله يتساءل لما تأخر الربيع على هذا النحو ؟! .
وفي صباح أحد الأيام وبينما كان العملاق يستلقي متيقظاً في فراشه ، سمع سيمفونية عذبة من الموسيقى الجميلة بالقرب منه ، حتى ظن أن الفرقة الموسيقية الخاصة بالملك تمر من أمام حديقته ، ولما نظر إلى خارج النافذة وجد طائراً صغيراً يغني بصوت رائع بعد فترة صمت طويلة .
فقد مضت شهور كثيرة لم يسمع فيها غناء الطيور بالحديقة ، وسرعان ما شم العملاق عطراً جميلاً فقال في نفسه : لا بد أنه الربيع ، ووثب من فراشه مسرعاً وألقى بنظره خارج النافذة .
فرأى أجمل منظر بالعالم ، وجد الأطفال يلعبون بالحديقة بعد أن تسللوا من فتحة في الجدار ، ورأى فوق كل غصن شجرة طفل صغير يلعب ، كان المنظر مبدعاً وكانت الأشجار في قمة السعادة والفرح بوجود هؤلاء الأطفال ؛ حتى أنها تغطت بالبراعم والثمار ، وكانت الطيور ترقص في السماء ، والورود تطل برأسها من بين العشب الأخضر وتضحك .
وعلى الرغم من روعة المنظر في الحديقة ، إلا أن هناك ركن ظل يكسوه الشتاء ، وفي هذا الركن كان يقف طفل صغير ، لم يستطيع تسلق غصن الشجرة المكسوة بالصقيع ، فقد كان صغير الحجم لدرجة لم تمكنه من الوصول إلى غصن الشجرة وحينما رأى العملاق ذلك المشهد ذاب قلبه وقال : كم كنت أنانيا ! ، الآن فقط عرفت لماذا لم يزرني الربيع .
وقرر أن يذهب إلى الطفل الصغير ويضعه على غصن الشجرة ، ثم يهدم السور الذي بناه كي تعود حديقته ملعباً للأطفال ، وعلى الفور خرج إلى الحديقة ، وحينما رآه الأطفال ارتعبوا منه وفروا بعيداً خارج الحديقة ، فعاد الشتاء يكسوها مرة أخرى ، فقط الصبي الصغير ظل واقفاً هناك وعينيه مغرورقتين بالدموع ، لم ير العملاق .
اقترب منه العملاق وحمله على يديه برفق ، ثم وضعه على الشجرة فأزهرت وعادت الطيور تغني ، فرح الطفل الصغير واحتضن العملاق ولثمه على خده وفي تلك اللحظة رأى الأطفال العملاق من بعيد ، وعلموا أنه لم يعد شريرا كما كان ، فعادوا وعاد معهم الربيع ، فنظر إليهم العملاق وهو يقول : هذه حديقتكم الآن أيها الأطفال ، وتناول فأساً وحطم السور .
ومن يومها والعملاق صار صديقاً للأطفال يلهو ويلعب معهم في أجمل حديقة في العالم ، ولكنهم كانوا يحضرون كل يوم دون أن يكون معهم الطفل الصغير الذي أحبه العملاق ، فتعجب العملاق من غيابه وأخذ يسأل عنه ، ولكن الأطفال قالوا أنهم لا يعرفوه ولا يعرفوا أين يسكن ، الشيء الذي أحزن العملاق وجعله يظل مشتاقاً إليه دائماً .
ومرت الأعوام وكبر العملاق وازداد وهنا وشيخوخة ، فلم يعد يستطيع اللعب مع الأطفال ، لذا كان يجلس إلى مقعد كبير وينظر إلى الأطفال وهم يمرحون ويلعبون وأدرك العملاق قيمة الأطفال وجمالهم وعرف أن السعادة توجد أينما وجدوا ، وفي صباح أحد أيام الشتاء كان العملاق يرتدي ثيابه وينظر من النافذة ، وفجأة فرك عينيه من شدة العجب .
ففي أقصى ركن بالحديقة كانت هناك شجرة كل أغصانها من الذهب وثمارها من الفضة ، وأسفلها كان يقف الطفل الصغير الذي أحبه العملاق ، فلما رآه جرى إليه والسرور يغمره ، وعبر العشب بسرعة حتى بلغ الطفل ، فلما رآه عن كثب احمر وجهه من الغضب وقال له : من تجرأ على أن يجرحك ؟ ، فقد كانت على يديه وقدميه ندوب دامية ، وأكمل قائلاً : قل لي فلسوف آخذ سيفي وأقتله .
فقال الصبي: لا أحد ، إنها فقط جراح الحب ، فقال له العملاق : أخبرني من أنت ؟ فسرت رهبة غريبة في قلبه وجثا على ركبتيه ، فابتسم الطفل وقال له : لقد تركتني ألعب في حديقتك واليوم سوف أخذك لتلعب معي في حدائق الجنة ، وحين جاء الأطفال كعادتهم كل يوم ليلعبوا في حديقة العملاق ، وجدوه ميتاً تحت الشجرة الموجودة في أقصى الحديقة ، وقد تغطى جسمه كله بالبراعم البيضاء .