قصة الشرطي والأرعن من تأليف الكاتب أو هنري تتميز مثل معظم أعمال هنري بالفكاهة ، تلك الفكاهة التي تأتي تتضمن سخرية الكاتب من أحوال المجتمع بمدينة نيويورك التي عاش بها الكاتب ، فهي تحكي قصة متشرد يحاول أن يرتكب جريمة ليدخل إلى السجن ليحتمي به من برد الشتاء .
نبذة عن الكاتب : الكاتب أو هنري (O.
HENRU) هو كاتب أمريكي ساخر ، ولد عام 1862م واسمه الحقيقي وليام سيدني بورتر ، وقد اشتهر بكتابة القصص القصيرة وتوفي عام 1910م .
القصة :
بدأ سوبي يتقلب على دكته التي تقع في شارع ماديسون على وقع صوت ثغاء الأوز ليلاً ، وهذا يعني أن فصل الشتاء على الأبواب ، أدرك سوبي أن عليه أن يتدبر أمر الهول المقبل ولذلك تقلب في مقعده ، إن مطامع سوبي لم تكن كبيرة ، فلم يكن يطمع في رحلة للبحر المتوسط أو خليج فيزوف ، ولكنه كان يأمل أن يقضي ثلاثة أشهر هي مدة فصل الشتاء في الليمان .
كان سجن بلاكويل هو مشتاه المفضل منذ سنوات ، ففي حين يتأهب الأثرياء من سكان نيويورك للرحيل إلى بالم بيتش لقضاء فصل الشتاء ، كان سوبي يضع خطة هجرته السنوية إلى الليمان ، فقد فشلت في الليلة السابقة ثلاثة من الصحف التي لفها حول خصره في تدفئته .
لقد كان سوبي يكره أصحاب الإحسان ، وكان يجد أن السجن رحيماً أكثر منهم بالفقراء ، كما كان يكره الملاجيء الخيرية التي تأوي الفقراء في الشتاء ، فقد كان يشعر فيها بالذل والمهانة حين يتم استجوابه عن أموره الشخصية للحصول على الطعام ، ولذلك كان السجن هو الخيار الأمثل لسوبي حيث لا يتدخل أحد في أموره الشخصية بالرغم من فرض بعض القيود عليه .
عقد سوبي عزمه وتأهب للرحيل إلى مشتاه ، وقد رأى أن يذهب لتناول عشاء فاخر في مطعم كبير ، ثم يعلن إفلاسه ويسلم نفسه للشرطة ، حاول سوبي التسلل إلى أحد المطاعم الكبرى فقد كان يرتدي ربطة عنق نظيفة أهدتها إليه راهبة ، وفكر أن المنضدة ستخفي نصفه السفلي فلن يشك به أحد ، ولكنه فشل فقد لاحظ رئيس الندل بالمطعم بنطاله المهلهل وحذائه البالي .
أسرع سوبي في تنفيذ خطة بديلة ، فالتقط أحد الأحجار من الأرض ، وقذفها باتجاه الواجهة الزجاجية لأحد المعارض فحطمها ، أتي الشرطي مسرعاً وسأل : من فعل هذا ؟ أجاب سوبي في هدوء : ألا يمكن أن تستنج أن لي علاقة بالموضوع ؟! .
لكن الشرطي لم يقتنع بكلام سوبي ، فالذين يحطمون واجهات المحلات يفرون حين تأتي الشرطة ، شعر سوبي بالغيظ بعد أن فشل مرتين في تحقيق هدفه ، وجد على الجانب الأخر من الطريق مطعماً متواضعاً ، دخل سوبي وطلب لحماً وكعكاً وفطائر وحلوى ، وبعد أن انتهى أخبر النادل أن يستدعي الشرطة ، لكن النادل أخبره بصوتاً غليظ أن أمثاله لا يستحقون الشرطة .
وبخفة ألقى به نادلان خارج المطعم ، فسقط على أذنه اليسرى ، نهض سوبي ونفض التراب عن نفسه وقد خيل إليه أن القبض عليه أصبح كالحلم الجميل ، قطع سوبي خمس نواصي من الطريق قبل أن يحاول مجدداً ، فقد وجد سوبي امرأة تقف على معرض حانوت ، وقد وقف على بُعد مترين منها شرطي ، عدل سوبي ربطة عنقه وأمال قبعته وقال للسيدة بعد أن تنحنح وغمز بعينيه : ألا تحبين أن تصاحبيني أيتها الفاتنة إلى بيتي ؟.
نظر إليه الشرطي فأحس سوبي بدفء قسم الشرطة يسري في أوصاله ، ولكن سرعان ما تعلقت الفتاة بذراعه وقالت له في ابتهاج : بالتأكيد يا مايك ، اجتاز سوبي الطريق والفتاة متعلقة بذراعه تعلق اللبلابة بشجرة البلوط وهو غارق في اليأس .
عند الناصية التالية أسرع سوبي بالهرب ، حتى وصل إلى منعطف طريق أمام أحد المسارح حيث يقف رجال الشرطة ، وأخذ في الصراخ والتمايل كأنه ثمل ، لكنه سمع الشرطي يقول : إنه صبي من صبيان جامعة بيل يحتفلون ، وعندنا أوامر بتركهم أحرار .
خيل إلى سوبي أن السجن أصبح حلماً مستحيلاً ، لكنه مر بجوار أحد المقاهي فالتقط مظلة تخص أحد رجلاً أنيقاً ، ولكنه فوجئ بالرجل يقول له : لقد وجدتها في المطعم في الصباح ، مادامت مظلتك فلا بأس .
وبعد أن شعر سوبي باليأس التام قرر العودة إلى دكته بالمنتزه ، وفي الطريق سمع صوت موسيقى تخرج من أحد الكنائس ، أقترب سوبي من السور وتسلقه إلى داخل الكنيسة ووقف يستمع إلى الموسيقى التي حركت بداخله مشاعر رقيقة ، فتذكر طفولته وكيف كان مليء بالآمال .
وقرر سوبي أن يترك حياة التشرد ويذهب للبحث عن عمل ، فقد عرض عليه أحد التجار أن يعمل معه سائق ، وقرر الذهاب إليه في الصباح ، في تلك اللحظة وهو يتسلق السور للخروج وضع الشرطي يده على كتف سوبي ، وقال له : ماذا تفعل عندك ؟ ، أجابه سوبي : لا شيء ، وفي اليوم التالي قال القاضي في المحكمة : ثلاثة أشهر حبس .