إن طبيعة خشخاش الأفيون (Papaver somniferum) ، وهو مصدر الأفيون الذي يسبب الإدمان ويتسم بالبهجة ربما تكون قاتلة فهو عشبة معروفة منذ القدم ، وقد تم توثيق الخواص الطبية لصناعة الأفيون من قبل اليونانيين القدماء ، الذين استخدموا الراتينج المجفف الذي تم الحصول عليه من بقايا النباتات ، لإعداد مستخلص يمكن إعطائه للمرضى لتخفيف الألم أو التخدير
وفي القرون التي تلت ذلك انتشر خشخاش الأفيون بالتجارة من بلاد ما بين النهرين والبحر الأبيض المتوسط إلى بلاد فارس والهند والصين ، حيث تم استخدامه على حد سواء ترفيهيًا وطبيًا ، وفي عام 1804م كان الكيميائي الألماني سورتنر فضوليًا حول الطبيعة الكيميائية للمواد الطبية المحضرة من النباتات ، فقام بعزل مستحضر من الأفيون وهو المعروف باسم المورفين من مقتطفات الخشخاش
أما المورفين الذي ينتقل منه الهيروين والمستحضرات الصيدلانية المختلفة ، بما في ذلك الكودايين فقد أصبح فيما بعد واحدًا من أهم المواد المسكنة الطبيعية (مواد تخفيف الألم) المستخدمة في الطب ، كما يتم تصنيف المورفين ومركباته الشقيقة نصف المصنعة والمختلطة كمواد مخدرة ، وهي من العوامل التي تضعف الحواس بشكل فعال ، مما يؤدي ليس فقط للتسكين ولكن أيضًا للتخدير والإدمان
وتنتج المواد الأفيونية آثارها من خلال العمل على مستقبلات محددة في الدماغ ، وتتوسط المستقبلات الأفيونية في آن واحد تأثيرات تخفيف الآلام التي تحفز النشوة ، والتأثيرات الإدمانية للأفيونات بحيث يؤدي تنشيطها لغرض تخفيف الألم إلى تنشيط نفس مسارات المكافأة البيوكيميائية في الدماغ والمرتبطة بمشاعر المتعة ، ويتم تعزيز مسارات المكافأة من خلال الاستخدام المتكرر للأدوية الأفيونية مما يشجع على الإدمان حتمًا
ولقد واجه الناس والمجتمعات مشكلة إدمان الأفيون عبر التاريخ ، وكان من بين أوائل الذين تناولوا هذه القضية الهامة مع آثارها على الصحة والاقتصاد ، قادة أسرة تشينغ الصينية في القرن التاسع عشر ، إن محاولة الصين للحد من أنشطة تجارة الأفيون غير الشرعية لشركة الهند الشرقية البريطانية ، التي ألقت الحكومة الصينية عليها باللوم في إدمان المخدرات في البلد ، شكلت أساس حروب الأفيون (1839م-1842 و 1856-1860 م
وفي عام 2016م توفي أمير الموسيقى الأمريكية الأيقونة (برنس) من جرعة زائدة عرضية من الفنتانيل ، وهو مسكن للوصفة الطبية حيث لفت الانتباه على نطاق واسع لأزمته الصامتة ، ولكن المشكلة كانت تنمو بشكل مطرد في الولايات المتحدة ، وهي الإدمان على المواد الأفيونية وذلك على الرغم من تجنب تناول للكحول والعقاقير الترفيهية ، فقد تم تناول برنس للأفيون لفترة طويلة وذلك للتعامل مع الألم ، بعد إجراء جراحة في الفخذ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين
وتم وصف له أدوية إضافية من المحتمل أنها تتضمن مسكنات قوية منها الأفيون ، أو مشتقة من الأفيون أحد أكثر المواد إدمانيه في العالم ، وبحلول أوائل عام 2016م أصبح الموسيقي والمغني الأسطوري متورطًا في صراع شاق مع إدمانه للمواد الأفيونية ، والذي ظل أمرًا مخفيًا عن العديد من أصدقائه المقربين ، وقد ثبت في نهاية المطاف أن تناوله لتلك المواد هو من تسبب في قتله
وتم التأكيد على خطورة الوباء الأفيوني أيضًا ، بعد أن التقطت الشرطة في شرق ليفربول بولاية أوهايو صورة لزوجين توقفا عند إشارة مرور في سيارتهما ، وكانوا في حالة فقدان الوعي بسبب جرعة زائدة من الهيروين ، بينما جلس طفل عمره أربع سنوات وحيدًا في المقعد الخلفي ، واتهم الزوج بتعريض الطفل للخطر
كان برنس واحدًا من بين مليونين أمريكي تقريبًا يعانون في عام 2016م ، من اضطرابات من تعاطي مواد المخدّرات الموجودة في عقاقير طبية أفيونية ، ومنذ عام 1999م ازداد عدد الأمريكيين الذين يعانون من إدمان المواد الأفيونية بشكل مطرد ، حيث تضاعفت مبيعات المخدرات أربع مرات بحلول عام 2010م ، وتضاعف عدد الوفيات المرتبطة بالأفيون بنسبة ثلاثة أضعاف بحلول عام 2012م
وبين عامي 2013م و2014م كان معدل وفيات المخدرات المفرطة ، التي تشمل الأفيونات الاصطناعية في الولايات المتحدة تقريبًا الضعف ، وتشمل المواد الأفيونية الاصطناعية الوصفات الطبية ، مثل الفنتانيل والترامادول والأدوية المصنعة بطريقة غير شرعية ، ولاسيما الفنتانيل غير المشروع الذي يتشابه في التركيب الكيميائي مع نظيره الصيدلاني
كما حدثت زيادة حادة في عدد حالات الوفاة المفرطة بالمخدرات ، التي تشمل الهيروين وهو مادة أفيونية غير مشروعة ، ويرتبط استخدامها ارتباطًا وثيقًا باعتماد العقار على المواد الأفيونية الموصوفة ، وبحلول عام 2016م وصلت الوفيات الناجمة عن الجرعة الزائدة من المخدرات ، والتي كانت مدفوعة إلى حد كبير بالزيادة في تعاطي المواد الأفيونية ، إلى مستويات متساوية مع معدلات وباء فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات
وعلاوة على ذلك تجاوزت معدلات الوفيات الناجمة عن الجرعة الزائدة من المخدرات في المناطق الريفية ، مناطق الموت في المناطق الحضرية التي كانت من الناحية التاريخية ، مناطق الولايات المتحدة المثقلة بأعباء الموت المفرط للمخدرات ، وبالنسبة لكثير من الأدوية الحديثة يتم استخدام المواد الأفيونية بحذر ، حيث يتم حجزها لعلاج الألم المزمن في المرضى الذين يعانون من أمراض طارئة متقدمة مثل السرطان
وقد أدخلت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تغييرات في وضع العلامات على منتجات الأفيون الموصوفة ، وكان من بين تلك التغييرات مطلب جديد وهو أن تعرض جميع منتجات الأفيون المصرح بها ، تحذيرًا موضّحًا يشرح خطر إساءة استخدام الأفيون والإدمان والجرعة الزائدة والموت
وبالإضافة إلى ذلك نصحت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها ، وغيرها من المنظمات الطبية الأطباء باستخدام برامج مراقبة الأدوية التي تديرها الدولة (PDMPs) ، والتي تتعقب وصف وصرف الأدوية الموصوفة ، وتمكين الأطباء والصيادلة من مراجعة المعلومات حول تاريخ وصفة المريض مع المواد الخاضعة للرقابة ، وبالتالي تحديد المرضى المعرضين لأخطار عالية من تعاطي الأفيون قبل وصف الأدوية