الحياة كلمة تحمل في طياتها ألاف المعاني ، يعيشها المرء في فرح أو حزن وقد لا يفهم معناها أو لما عاشها على تلك الصورة ، لما كانت أيامه وسنواته كلها عناء لما لم يفرح مثل بعض البشر ، لم لا يرى سوى الجانب المظلم منها ؟كلها تساؤلات كان يمكن الإجابة عليها بجملة واحدة ، كلٌ يرى الدنيا بعينه فمن ركز على محاسنها رآها جميلة كفتاة أبهى من القمر ، ومن ركز على مساوئها ونواقصها رآها مريرة كعلقم سكب على اللسان فمرر طعمه
في إحدى المدارس الموجودة بمنطقة الخليج دخل المعلم الصف وأعلن عن اختبار مفاجئ قرر عمله لهم ، فحدث نوع من الهرج والمرج في الصف حيث أن الطلاب لم يكونوا على استعداد للإجابة في مثل هذا الاختبار المفاجئ
ولكن المعلم لم يلتفت لهمهمات الطلاب وقام بتوزيع الأوراق على جميع الطلاب ، حتى أنتهى تمامًا من كل الأوراق التي معه وبعدها طالبهم بالبدء في الإجابة قبل انتهاء الصف ، ولكن كانت أمارات التعجب والدهشة ترتسم على وجوه الطلاب ، فقد كانت ورقة الاختبار فارغة لا يوجد بها أسئلة ، كل ما كان هنالك هو نقطة سوداء في منتصف الورقة ، فتطوع أحد الطلاب وسأل المعلم عن هذا الاختبار الغامض وكيف يحلونه ؟فقال لهم المعلم : صفوا ما ترونه أمامكم في ورقة الاختبار وعبروا عنه بأسلوبكم ، كان الطلاب لا يزالون مرتبكين بعض الشيء ولكنهم بدؤوا الاختبار وحاول وصف ما يرونه في تلك الورقة
وقبل انتهاء الصف جمع المعلم كل أوراق الإجابة من تلاميذه الجالسين وبدأ يقرأها واحدة تلو الأخرى ، وكانت كلها تدور حول وصف النقطة السوداء وموقعها من الورقة وعلام يدل وجودها
بعد أن أنهى المعلم قراءة كل الإجابات طبق الورق ونحاه جانبًا ثم قال لطلابه : لن أعطيكم درجة على هذا الاختبار فرجاءً لا تقلقوا ، هنا تنفس الطلاب الصعداء وهدؤوا قليلًا فبدأ المعلم بشرح السبب من عقد الاختبار حيث قال لهم : لقد أردت منكم أن تفكروا قليلًا في شيء ما
حينما أعطيتكم تلك الورقة ركز الجميع على النقطة السوداء ولم يكتب أي منكم الصفحة البيضاء ، رغم أن اللون الأبيض خو الذي يشغل الحيز الأكبر من تلك الورقة ، ورغم ذلك لم ترونه تمامًا كما يحدث في حياتنا التي نعيشها الآن
فالورقة البيضاء هي نفسها الحياة التي خلقنا الله فيها ، وأنعم علينا بكثير من نعمه فركزنا في مشاكلها وتناسينا نعمها ، إنها تلك الهبة التي خلقها الله لنا بما فيها من وسائل الراحة والاهتمام والحب والرعاية ، بما فيها من الأفراح والسعادة وبما فيها من الوظيفة التي تدر علينا الدخل ، والأهل والأصدقاء الذين يعينوننا على المضي قدمًا فيها
كل هذه النعم نمتلكها في تلك الحياة وعلى الرغم من ذلك لا نراها كأنها سراب أو شيء غير محسوس ، ونقف فقط أمام المشاكل التي تواجهنا كنقص المال أو الأزمات الصحية أو حتى مشاكل العلاقات والتعامل بين الجنسين ، ورغم أن كل تلك المشاكل تكاد تكون صغيرة جدًا إذا ما قورنت بكل المنح التي لدينا في هذه الحياة
إلا أننا نعظمها ونكبرها بتركيزنا عليها فنعطيها حجمًا أكبر من حجمها ، لذا علينا أن نتجاهل المشاكل التي تؤرق علينا حياتنا وتجعلنا تعساء ، وننظر للدنيا من منظور أخر مختلف ، فالنظرة الإيجابية وحدها هي الحل الوحيد للخروج من بوتقة الشقاء والعيش في سعادة وراحة