لكل منا فرح ، فرح بمزقٍ من صور الماضي ، وفرح بأشياء صغيرة من الحاضر ، وفرح ثالث بامتلاك أمل في امتلاك شيء من المستقبل
يوم بارد جدًا :
يا لهذا اليوم المشؤوم ، في البداية تلك التنكة الثقيلة التي وقعت على قدمي ، ثم هذا الثلج ، يا رب قالها وهو يرفع القمامة برفشه ويضعها داخل العربة ، يالهي ما هذا البرد ؟ أكاد أتجمد والعمل يصبح أصعب عندما تتجلد الطرقات ، وهذه العربة اللعينة تتمايل وتتزحلق مصدرة صوتا مزعجًا ، ترك ترك ، حتى عندما أنام يظل هذا الصوت ناقرًا أذني ، ترك ترك ترك مللت
يوم مشؤوم وزجاج :
مالك يا عبد الستار تتذمر ؟ هل اشتقت لعمل الصيف والروائح التي تنخز الأنف ؟ آه هذه سنة الحياة وإرادة الله ولكن لماذا ؟ ما هذا الزجاج ! ان يومي مشؤوم من أول ليله والآن هذا زجاج ؟ ان الناس بلهاء حين يقومون برمي الزجاج المكسور في القمامة ، إنهم لا يفكرون أن أناس آخرون يقومون بلم أوساخهم من الطرقات في في أنصاف الليالي ، ولكن لماذا هناك أناس أغنياء وأناس فقراء وزبالون يلمون القمامة !أفكار شيطانية :
ربما لأنه ان لم يكن هناك أناس يلمون القمامة لغرق العالم كله في الأوساخ ، وانتشرت الأمراض ، آه.. مالك يا أبا محمد تتذمر اليوم ؟! لقد كنت طوال عمرك راضيًا بهذا العمل ، عشرون عامًا وأنت تعمل به ولا تتذمر ، الله يخزي الشيطان بهذه الأفكار التي تراودك
العائلة :
الله يعطي العافية لصبيحة ، أنها تتحملني كثيرًا ، لقد تزوجتني وأنا زبال من يوم يومي ، المثقفون يقولون عامل نظافة ولكن .. أنا زبال وصبحية تزوجتني وأنجبت لي سبع أطفال ، ولكن بصراحة لو لم أكن زبال بل .. رجل غنيًا لتزوجت امرأة أخرى ، أن جارتنا المطلقة أم فارس صغيرة وجميلة ، صحيح عندها ولد ، ولكنها فائقة الجمال والحسن .. الله يخزي الشيطان ، ما بالك يا عبد الله !لماذا تفكر هكذا ؟قطة مشردة :
يا لهذه القطة المسكينة ؟ انها متجمدة من البرد ، لابد أنها ميتة ؟! رفسها يقدمه فلم تتحرك ، فرفعها ووضعها في العربة ، ثم دفعها بصعوبة وتابع طريقه ، لو لم تكن بشراً لربما متنا في الشوارع كهذا الحيوان ، ولرفسنا الزبالون بأرجلهم ثم وضعونا في عربة القمامة ، على كل القطط حيوانات شريرة .. أكره القطط ولكن .. هذا البرد ..أحوال الأبناء الذكور :
هذا الولد خالد قد أهلكني ، فتارة يطلب منه المعلم قلمًا وتارة دفترًا ، ثم أشياء لا فائدة منها كورق أشغال ، وما لزوم ورق الأشغال هذا ، متى سأنتهي من كل هذا ؟ ما فائدة هذا العلم ؟ انه في الصف الثاني ويكلفني الكثير فماذا لو أصبح في الخامس أو السادس ؟ لا .. لا يا أبا أحمد لا تفكر هكذا لن يستمر الوضع كثيرًا ، سنتان وسوف أجد له عملاً عند أبا مصطفى في المطعم ، وبعدها رزقه على الله يدبر نفسه بنفسه
وهكذا الكبير محمد يريد أن يطلع روحي بعد تركه العمل عند الحاج ، ويريد أن يعمل ميكانيكي عند أبا عدنان في الصناعة ، عقله لن يكفيه لتعلم تلك الصنعة ، ويجعلني أصرف عليه بينما هو يتعلم !أحوال البنات والأحفاد :
كان عندنا دخلان والآن أصبح دخلي فقط ، وما الذي يمكن أن يعمله ؟ أن أعطيته لصبحيه ستصرفه خلال يومين ، ولكن قريبًا ستتزوج عائشة وسنقبض المقدم ، عندها سيتحسن الوضع ، أن صبحيه هذه امرأة ماكرة استطاعت أن تدبر أمر البنت ، أخي يقول : حرام إنها صغيرة
وما النتيجة .. النتيجة نفسها الآن أو بعد سنتين أو عشر سنوات سيأتي النصيب ، وماذا لو كان خطيبها أكبر منها بعشرين عام ! الحمد لله أن دخله مستقر ليس كمحمد ، أن يكون المرء آذنًا في شركة حكومية فذلك شيء جيد ، ثم ستبدأ عائشة بإنجاب الأطفال لزوجها ، لا أعتقد أنني سأتفرغ لأولادها ، فأولاد شفيقة وغدير يملئون مكان نصف أولاد الحارة
انتهاء العمل والطعام :
ومحمود وجاسم الذين سافرا لبلاد الخليج ولم يبعث لي أحد منهما قرشًا ! الله يسامحهما ، والآن عليّ أن أسير ساعة لإفراغ العربة ، هل سألحق صلاة الصبح أم لا ، سألحق ، طوال عمري وأنا أفكر هل سألحق أم لا ؟ أهلا أبو راكان ؟ الحمد لله ، هل أنهيت منطقتك ؟ ، نعم الحمد لله ، ما هذا يا أبا ركان أتأكل ما يرميه الناس في القمامة ؟
اجلس يا أبا محمد انه كباب ، ولن تموت منه ، انه كباب حقيقي من المطعم ، وكما تعلم المطعم يقع ضمن منطقتي ، لذلك دائما أجد شيئًا لذيذًا ، دجاج مشوي ، بطاطا مقلية وهكذا ! كل لن تموت ، وان متت سوف تموت شبعانًا ، ماذا بك واقف تنظر إليّ ، تعالى واقترب
كباب وتقاعد :
جلس أبو محمد قرب زميله بتردد ، ومد يده ثم بدأ بالتهام اللحم البارد بشراهة ، وقال : أتعرف يا أبا ركان ؟ الحق معك ، لم أتناول الكباب ولا حتى بارد منذ سنوات كثيرة مضت ، ولكن لا بأس ، مادام قد بقي لي عشر سنوات لأتقاعد