الموسيقى والأغاني ، لها شقين إما حزينة أو سعيدة ، ولكن أن تكون قاتلة ! هذا هو الغريب ، في ثلاثينيات القرن المنصرم ، مرت الدول الأوروبية فيما عُرف ، بفترة الكساد الاقتصادي ، تشرد الكثيرون ، وبقي الرجال والشباب في الشوارع ، يتسولون قوت يومهم ، أو بحث عن عمل بلا جدوى ، من أجل توفير ما يقتاتون به هم وعائلاتهم ، ولاشك أن تلك الظروف المتعثرة ، قد دفعت البعض إلى السرقة ، والنهب والانتحار ، وغيرت العديد من سلوكيات البشر ، في ظل تلك الفترة القاسية للغاية .البداية ..
كانت المجر إحدى الدول التي عانت من الكساد الاقتصادي ، حيث تشرّد الكثيرون ، ولجأ آخرون إلى الانتحار ، لذا لم يكن انتحار اسكافي عجوز ، هو أمر مبالغ فيه ، في ظل تلك الحقبة المميتة ، فعندما وصل المحققون لمعاينة موقع الانتحار ، لم يجدوا سوى شقة صغيرة ، تمتلئ بالعفن ، وبلا أثاث ، فقال أحد المحققون أن الانتحار نتيجة طبيعية للمعيشة في أجواء كهذه ، ولكن لفت نظر المحقق دفتر مذكرات للعجوز ، وبه كلمة واحده هي ، الأحد القاتم .كان الأحد القاتم هو اسم متداول ، لأغنية مجرية حزينة وكئيبة للغاية ، لذا لم يقف عندها المحقق كثيرًا واستكمل جمع الأدلة ثم انصرف ، عقب تلك الواقعة بعدة أيام ، تلقت الشرطة بلاغًا جديدًا بشأن انتحار أخر .فتاة في السابعة عشرة من عمرها ، وقد ماتت شنقًا ، داخل حجرتها ، توجه محققو الشرطة إلى المكان ، لمعرفة أسباب وقوع الحادث ، وهنا وجدوا ورقة كتبتها الفتاة ، بخط يدها وسطرت فيها كلمتين ، الأحد القاتم ، بالطبع ، أثار هذا الأمر انتباه محققو الشرطة ، فلم تكن الحادثتين هما ، الأولى والأخيرة فقط ، بل تفاقم الأمر ، ووردت بلاغات عدة حول حالات انتحار مماثلة ، إما بقطع الشرايين داخل الحمام ، أو الشنق ، أو القفز إلى نهر الدانوب ، وغيرها من الحالات الموثقة آنذاك .وكانت الأغنية كئيبة وقاتمة بالفعل ، لدرجة أن إحدى الصحف ، كانت قد نشرت ، بأن رجل عجوز جلس أعلى أحد الجسور ، يدندن الأغنية ، فاستمع له صبي كان يقود دراجته إلى جواره ، فألقى إليه بكل ما في جيوبه من حلوى ، وأموال ، ثم صعد أعلى سور الجسر ، وقفز غارقًا في النهر .ولم يطل الوقت كثيرًا ، حتى أصبحت تلك الأغنية المميته ، حاصدة للأرواح خارج المجر أيضًا ، فكانت كلما اشتهرت ، تداولت الصحف في العديد من الدول ، حالات انتحار كثيفة ومختلفة ، وتم ترجمة الأغنية لعدد من اللغات آنذاك .قصة الأغنية ..
للأغنية المميته هذه قصة غريبة ، فقد كتبها ولحنها رجل مجري الأصل ، كان يهوديًا يلاحقه النحس من كل مكان ، فقد ماتت عائلته أمام عينيه وهو طفل صغير ، ونجا هو من الموت بأعجوبة ، ولم يكن في حياته نجاحًا مثل نجاح أغنية الأحد القاتم التي كتبها ولحنها .ويقال أن قصة هذه الأغنية تدور عن حبيبته ، فقد وقع بينهما خصومة وأراد الملحن ، أن يتواصل معها مرة أخرى ، فاشترى ورودًا بيضاء اللون ، وتأنق ذاهبًا إلى منزل حبيبته ، يجره الشوق إليها جرًا ، ويمني نفسه بمصالحتها ، ولكن عندما وصل وجد المنزل مفتوحًا ، والجميع يرتدي السواد ، فدخل إلى المنزل ليجد حبيبته ، نائمة داخل تابوت ، جثة هامدة بلا حراك ، حيث انتحرت صباح يوم الأحد .بالطبع قال البعض أن حالات الانتحار تلك ، مبالغة فقط من الصحافة التي تهوى الإثارة ، وجدير بالذكر ، أن ملحن الأغنية قد صرح بأنه لم يجد من ينتجها له ، فقد قال له أحد المنتجون بأن الأغنية جميلة بالفعل ، لكنها كئيبة جدًا ، ولا يعتقد بوجود أي خير فيها ، لمن يستمع إليها.وكانت نهاية الملحن نفسه غريبة ، فقد قرر أن يتخلص من حياته البائسة تلك ، عندما قرر إلقاء نفسه من عمارته الشاهقة ، عن عمر يناهز التاسعة والستون عامًا ، لكن لاحقه نحسه بالفعل ، فقد أصيب بعدد من الجروح والكسور ، نُقل على إثرها إلى المشفى ، ليتلقى العلاج ، ولكنه كان يتوسل للموت أن يأتيه ، وما لبث الممرضون أن وجوده منتحرًا عن طريق شنق نفسه بسلك كهرباء ، داخل حجرته بالمشفى ، لينهي حياته القاتمة ، مثل أغنيته القاتمة ، الأحد القاتم .