قصة قوانين فرانكو بزاليا

منذ #قصص منوعة

الموتى الأحياء  ، فكرة دارت بالخلد على مرور السنوات ، وتم عمل أفلامًا كثيرة توثق تلك لفكرة التي طالما أنكرناها نظرًا لأن الروح من أمر الله ، هو يأخذها أو يطلقها برحمته وبأمر منه ، ولكن أن تعيش بلا إرادة في شيء حتى في علاجك وأنت مريض ، وتصارع ذاتك خاصة إذا ما كنت تعاني من مرض نفسي ، فهذا هو الموت وأنت حي ، فتخيل معنا أن هناك من ظلوا بهذا الوضع على مدار عشرين عامًا كاملة .ذهب أحد المصورين التوثيقيين مدينة ترييسي الإيطالية ، وكان يُدعى رايموند ديباردون Raymond Depardon ، وذلك في عام 1977م ، كانت زيارته لإحدى المصحات العقلية القديمة بها ، والتي أشير إلى أنها قد ضمت أكثر من ألف وخمسمائة مريضًا ، ممن ظلوا محتجزين بداخلها طيلة عشرون عامًا ، بين أربعة حوائط .وتحدث رايموند عن تجربته ، أنه أثناء زيارته للمكان وأثناء تواجده داخل المبني ، سمع رايموند صرخات بشعة أقرب للحيوانية منها للآدمية ، وذلك أثناء وقوفه خلف أحد الأبواب ، وبالطبع وكرد فعل بشري طبيعي اتجه رايموند صوب الباب الذي سمع الصوت آتيًا من خلفه ، وظل يركل الباب بكل قوته ، ومجرد أن انفتح الباب فوجئ رايموند بمشهد غريب جدًا ، حيث اكتشف أن مصدر الصوت كان رجلاً يقبع داخل قفص في مشهد بشع للغاية .هنا تراجع رايموند ليسأل الممرض الذي يقف خلفه عن سبب احتجاز هذا الرجل بهذا الشكل المهين والبشع ، فأجابه الممرض بأن تلك الطريقة أكثر أمانًا له ولهم ، بالعودة زمنيًا إلى الخلف عدة أعوام ، وتحديدًا في عام 1970م ، وقع المرضى العقليين تحت وطأة قانون يُعرف باسم القانون الإلزامي أو compulsory treatment ، ووفقًا لهذا القانون الأخرق يُعد المريض النفسي مجرد تمامًا من أي حق بشري في اختيار كيفية طريقة العلاج التي سوف يتم تنفيذها عليه .وكذلك تم تجريده من الحق في التواصل مع الآخرين ، أي تم تجريد المريض النفسي آنذاك من الحق في كونه آدميًا أو بشريًا من الأساس ، وتم تطبيق هذا القانون بالفعل على مستوى العالم أجمع ، وبناء عليه ظهرت العديد من المصحات العقلية التي انتهكت حقوق المرضى النفسيين بصورة بشعة للغاية ، حيث صارت معاملتهم أقرب إلى الحيوانات منها إلى الآدميين ، وتطرفت طرق العلاج إلى حد مؤلم ، مثل العلاج بالكهرباء ، والعلاج بالغمر في الأحواض الجليدية ، والعلاج بفصل الفص الجبهي وتحويل المريض إلى حيوان ، ليس لديه أفكار أو مشاعر أو اتجاهات ، وغالبًا ما كان المريض ينتحر أو يقتل زملائه ، عقب فترة قصيرة من تنفيذ هذا العلاج عليه.وبحلول عام 1971م ظهر أحد الأطباء الإيطاليين ويدعى فرانكو باساجيلو Franco Basaglia ، وتولى إدارة إحدى المصحات العقلية ببلدته وتُدعى مدينة ترييسي ، تلك المدينة التي وُجد فيها الرجل داخل القفص أعلاه ، تلك المصحة التي عُرفت باسم مصحة سان جيوفاني في مدينة ترييسي .ومن خلال تواجد هذا الطبيب بالمكان ومشاهدته لهذا القهر وللإنسانية في معاملة المرضى ، قام فرانكو بعمل حركة جمع فيها زملائه من الأطباء الشباب ، من أجل هدم قانون العلاج الإلزامي ، وما يشتمل عليه من طرق قديمة وغير آدمية في علاج المرضى ، وظل هذا الطبيب المخلص يحارب لقانون الإلزام منذ عام 1971م وحتى عام 1978م ، من أجل تخليص المرضى من ذلك السجن الحيواني ، وبالفعل صدر قرار إلغاء هذا القانون ومعه ، إلغاء تلك المصحات العقلية بنهاية عام 1978م .وهنا قابل المصور رايموند الطبيب فرانكو عند ذهابه لتلك المصحة ، عام 1977م قبل صدور القرار بعام واحد بمصحة سان جيوفاني ، وهنا طلب فرانكو من رايموند تصوير بعض المشاهد للمرضى من داخل المصحة ، موثقًا فيها ما عاناه هؤلاء المساكين من ظلم طوال تواجدهم بها ، قائلاً له : هنا ستجد بشرًا لم ترَ مثلهم بأي مكان من قبل ، لم تعد الإنسانية جزء منهم ، ولم يعد أي منهم معنا ، نحن فعلنا بهم هذا ، المجتمع رأى أنهم عبء فألقوا بهم هنا ليتم نسيانهم لا علاجهم ، كان بالإمكان إنقاذهم لكنهم تحولوا لفئران تجارب ، نحن من صنع هذه الوحوش التي ستراها هنا ، أولئك لا عودة لهم ، لم نعد قادرين على إنقاذهم ، سيموتون بعد الإغلاق وهذا سيكون رحمة لهم من موتهم داخل اجسادهم الحية ، صَورهم لأن بدون هذه الصور لن يصدقنا أحد .بالفعل بدأ رايموند مشروع التصوير داخل المصحة منذ عام 1977م وحتى عام 1981م ، وأثناء وبعد إغلاق المصحات ، وجدير بالذكر أن كافة المصحات التي صورها رايموند تم إغلاقها تمامًا ، ولكن لا أحد يعلم ماذا حل بالمرضى ممن سكنوا بها .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك