أن تولد قزمًا في هذا العالم لهو أمر سيئ ، يدعو إلى الإحباط والشعور بعد الاكتمال ، وذلك بسبب النظرات النارية التي تصيب الأقزام من بعض أصحاب النفوس العقيمة ، والأمر لا يتوقف فقط على اليأس والتحسر على الحال ، بل قد يصل إلى اكتساب سلوكيات عدوانية ، أو الميل للانتحار في حالة المضايقات المستمرة من ضعاف البشر.وغالبا ما نجد أن نجاح الأقزام مرتبط بتواجدهم في بعض مشاهد السينما والمسرح ، وعروض السيرك ، أو اختفائهم خلف زى المهرج ؛ الذي لا يفعل شيء سوى إضحاك الناس ، ولكن ما لا يقبله المجتمع أنهم بشر ، أناس طبيعيون مثلى ومثلك ، بل قد يكونوا أفضل وأعقل .فلم يخلق الله شخصًا إلا وله طاقات وسمات تميزه عن سائر خلقه ، والمجتمع هو من يساعدهم على أخراج تلك الطاقات ، وتوظيفها بالصورة الصحيحة ، هذا في حالة المجتمع السليم الذي لا يدعم العنصرية ولا يروج لها ، أما المجتمعات المريضة ، فتمرض من فيها ، ويتمارض الآخرون .تعريف القزامة :
القزامة هي حالة مرضية ، تنتج عن خلل هرموني في الغدد النخامية التي تتواجد أسفل الدماغ ، ويترتب عليها قصر القامة ، فالخلل الذي بها يمنع النمو لأكثر من 130 سم ، ويمكن حدوث القزامة نتيجة 300 حالة طبية مختلفة.وتختلف خصائص الأقزام تبعا لفروقهم الفردية فهناك قزم غير متناسق ، وقزم أخر غير متناسق ، ولا يوجد علاج محدد للتقزم ، فمثلا اضطرابات نمو العظام يمكن علاجها في بعض الأحيان بالجراحة ، وفي حالات أخرى يتم العلاج باستبدال الهرمونات ، ولكن كلها هذا يجب أن يتم قبل اكتمال نمو عظام الطفل .نماذج مميزة من الأقزام :القزم الجاسوس:
ريتشبورج ، أقصر جاسوس بالعالم ، والذي ورد ذكره بموسوعة غينيس للأرقام القياسية ، فحينما قامت الثورة الفرنسية ، لتنصف الفقير المحتقر من طبقة الأغنياء ، ظهر ريتشبورج القزم الذي لا يتعدى طوله 58 سم ، وعمل جاسوسًا لصالح رجال الثورة.فقد ساعده قصر قامته على تجسيد دور طفل صغير يمشي بجوار سيده تبدو وكأنها أمه ، وكان ريتشبورج يتمتع بذاكرة فولاذية مكنته من حفظ كم هائل من المعلومات ، التي لعبت دورا كبيرًا في إنجاح الثورة ، ويقال أنه ساهم في الإمساك بالملك لويس السادس أثناء محاولة فراره خارج باريس ، وقد توفي هذا القزم عن عمر يناهز الـ90 في عام 1858م ، بعدما قدم لبلاده الكثير .القزمة السارقة :
في عام 1870م تعرف أحد اللصوص البارعين على القزمة استيلا رايدلي ، والتي كانت تقدم عروض السيرك ، واستطاع استمالتها لمشاركته مجال السرقة ، فعلى الرغم من عمرها الذي كان يتعدى الـ 40.استطاع أن يغير كثيرًا من ملامحها ، ويجعلها كطفلة في العاشرة منها تنقل المجوهرات المسروقة بخفة شديدة داخل دمية تحملها دائمًا ، دون أن يشتبه بها أحد ، ولكن لم يدم بهم الحال طويلًا ، فقد نشبت بينهم علاقة عاطفية سرعان أفسدها العمل .فقام على إثرها اللص بإبلاغ السلطات عنها ، وتم القبض عليها وهي تحمل دمية المجوهرات ، لتظل في السجن عشرون عامًا ، ولكنها ماتت خلالهم وحيدة في زنزانتها المظلمة .القزم الموسيقار :
يعد الموسيقار ماثيو باشينجر أحد أكثر الأقزام شهرة ، بسبب عبقريته وإبداعه الموسيقي ، فرغم أنه لا يملك كفين بذراعيه ولا قدمين بساقيه إلا أنه كان أروع عازف على ألة الترومبيت ، وكان كلما أراد العزف وضعه الحضور على المائدة ؛ ليسمعوا منه أعذب الألحان ، وقد تزوج هذا الرجل عدة مرات ، وأنجب الكثير من الأبناء .القزم رئيس الوزراء:
في القرن التاسع عشر كان هناك رجلًا يدعى برث هولد ، كان قزمًا مخيفًا ، له بعض الملامح والقسمات القاسية ، وكان يعمل مهرجًا بالبلاط الملكي ، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى منصب رئيس الوزراء بلومباردي إحدى ممالك شمال ايطاليا .والغريب في الأمر أن هذا القزم كان طفلًا طبيعيًا ، ونتيجة لسبب مجهول شوهت ملامحه ، ويقال أنه كان ضحية لبعض المنظمات السرية التي عملت على صناعة الأقزام وتشويههم من أجل بيعهم ؛ للتسلية والترفيه عن الأغنياء .تلك النماذج ذكرتها لأبين لكم أن للأقزام دورا كبيرًا في المجتمع ، سواء كان بالسلب أو الايجاب ، فهم قادرون على الفعل ، ولم يخلقوا ليكونوا فقط ردًا للفعل ، لذا كونوا منصفين ، وقفوا بجوارهم لنيل حقوقهم ولا تقللوا من شأنهم ، فهم عند الله أعلى ، وأغلى.