في شتاء عام 1788م ، جلس مجموعة من رجال ونساء البلاط الملكي والنبلاء الفرنسيين ، بدعوة من الأمير دي بوفو ، لقضاء سهرة فريدة وممتعة سويًا ، يتسامرون فيها ويشربون نخب تجمعهم .وأثناء هذا التسامر تنقال الحديث من هنا وهناك ، حتى وصلوا إلى فكرة أنه يجب على الشعوب ، أن تقوم بثورات لا يكون فيها مكان سوى للحكم بالمنطق والعقل فقط ، بعيدًا عن الأهواء .ولكن سرعان ما ثمل الجميع وانتقل الحديث للتطاول على الدين ، ورجاله بل والذات الإلهية نفسها ، مما دفع أحدهم إلى النهوض والقول بأن الله غير موجود ، وأن ما رواه هوميروس في الإلياذة غير صحيح ومجرد بله .وبين ضحك الجميع وسخريتهم ، اندفع بعض كبار السن منهم متحسرين بأنهم لن يشهدوا ، ذلك العصر الذي يحكم فيه المنطق والعقل بكل قوة ، بعيدًا عن الخرافة والخيال ، ووسط كل هذا الصخب ظهر صوت أجش بين الحضور ، قائلاً بأن ما أرادوا رؤيته ومعايشته من عقل ومنطق قادم قريبًا ، وسوف يشهدونه جميعًا عندما تندلع الثورة التي يرغبون فيها ، مردفًا بأنه متنبيء قوي .كان هذا الصوت الأجش هو للسيد جاك كازوت ، ذلك الأديب المثقف غريب الأطوار نوعًا ما ، وكانت من أشهر أعماله رواية الشيطان العاشق ، التي تحدث من خلالها بشأن السحر والعالم الآخر ، حتى أن البعض كانوا يظنون بأنه منتمي لجماعة سرية ما .طفق الجميع يسخرون مما رواه كازوت ، حتى أن فيلسوفًا ورياضيًا كبيرًا هو المركيز دو كوندورسيه ، قال له باستخفاف أنهم لا يعنيهم تصديق خرافاته تلك ، فنظر إليه كازوت نظرة ثاقبة قائلاً له أنت تحديدًا يا سيد كوندورسيه سوف تموت في زنزاتك الباردة ، عقب أن تتجرع السم الذي اخترته بإرادتك ، فالثورة القادمة سوف تجبرك أن تحمل معك السم أينما ذهبت .ساد صمت رهيب عقب أن ألقى كازوت كلماته ، حتى قطعها أحدهم قائلاً أن كازوت واهدم كبير ويسير أثناء نومه ، وقال آخر أن ما قصّه عليهم للتو ليس بكفاءة روايته الشهيرة الشيطان العاشق ، فقال لهم الرجل اضحكوا ما شئتم فكل ما قصصته عليكم نبؤات حقه ، سوف تأتيكم وتحدث لكم بفضل ثورة العقل والمنطق المرتقبة ، التي طالما أردتموها فهي في وقتها سوف تحمل معها ، سلطان العقل والحكمة والحرية ، ولن تشهد فرنسا معابد أخرى سوى معبد العقل والمنطق فقط .عقب أحد الضيوف ساخرًا ويدعى نيكولاس تشامفورت ، قائلاً له آمل يا سيد كازوت ألا تكون أحد كهنة هذا المعبد ، فقال له كازوت لن أصبح كذلك ، ولكنك سوف تقطع شرايينك داخل زنزانتك أملاً في الموت ، ولن تموت سوى بعد أشهر .سرى طقسًا داخل الجلسة مشوبًا بالتوتر وعم الراحة ، ولكن كازوت نهض فجأة مشيرًا إليهم واحدًا تلو الآخر ، وقال أنت يا سيد فليكس فيك دايز سوف ترتجي من الحراس أن يقطعوا شرايينك حتى تموت ، وما أن يحدث ذلك حتى تنتحر وتموت في نفس الليلة .أما السيد دي نيكولاي سوف يموت ، فوق منصة المقصلة هو والسيد بايلي ، هنا أطلق الشاعر الفرنسي جان أنطوان كلمات ساخرة قائلاً لكازوت ، يبدو أنك تختص بالذكر هنا رجال الأكاديمية العلمية ، فالحمد لله أنني لست واحدًا منهم ، فأجابه كازوت أنت أيضًا سوف تموت على منصة المقصلة .تساءل أحد الحضور في رهبة ، عمن سيفعل بهم هذا وهل ستتعرض فرنسا لغزو ما ، فقال كازوت بأن ما سيحدث سوف يكون وفقًا لحكم الفلسفة ، وسوف يرددون نفس كلامهم بشأن العلم والمنطق ، فتساءل مرة أخرى ومتى سيكون هذا أجاب كازوت ، بأن ما سيحدث لن تنقضي ستة أعوام حتى يلوح كالشمس في الأفق .هنا أوقفه الناقد جان فوانسوا لاهارب ، عما سيحل به فأجابه كازوت بأنه سوف يصبح متدينًا ، وكان رهارب شديد الإلحاد في هذا الوقت ، هنا انطلق الجميع يسخرون من كلمات كازوت ونبوءاته مرة أخرى .وفي غمرة الضحك حادثته دوقة جارمونت محاولة تلطيف الأجواء ، بأن النساء ليس لهن شأن بالسياسة أو الثورات ، ولكن صعقتها إجابة كازوت عندما أخبرها بأنها سوف تعامل هي وكافة النساء مثل الرجال ، وسوف يتم تقييد أيديهن إلى خلف ظهورهن ، نحو المقصلة في عربة مكشوفة أمام الجميع .وتحققت التنبؤات جميعها :
لم يمض عام واحد ، حتى اندلعت الثورة الفرنسية التي قامت على أكتاف الجياع ، ولكنها كانت ذات مباديء واضحة هدفها هو التنوير ، وقادها أشهر المثقفون في هذا الوقت مثل جورج دانتون وجان بول مارا وغيرهم .ولكنها كانت ثورة مثل غيرها بلا عقل ، حيث اقتيد الجميع إلى المقصلة بدعوى أنهم من أنصار النظام الذي ولىّ ، وتحققت نبؤات كازوت ؛ حيث ناصر المركيز دو كوندورسيه الثورة عندما اندلعت ، ولكنه عندما انتقد تطرّف الثورة في إراقة الدماء ، تم العثور عليه داخل زنزانته وقد تجرع السم الذي بحوزته حتى لا ينساق إلى المقصلة .بينما تنكّر تشامفورت لكافة أصدقائه وأصبح مناصرًا للثورة في غضون ساعات قليلة ، من اندلاعها ولكنه عندما انتقد انحراف الثورة عن أهدافها الحقيقية ، تم صدور الأوامر لاقتياده إلى المقصلة ، فحاول الانتحار لأكثر من ستة مرات فحاول إطلاق الرصاص على رأسه ولكنه لم يمت ، فحاول قطع شرايينه ولكنه نجا ، بل حاول أيضًا ضرب عنقه بشفرة تقطيع الأوراق ، ولكنه ظل على قيد الحياة لعدة أشهر ذاق خلالها الكثير من الألم والمذلة .وبالطبع كل من تنبأ بموتهم كازوت ماتوا بنفس الطريقة التي نبأهم بها ، وآخرهم لاهارب الذي قبض عليه وتم حبسه في السجن ليختبر تجربة روحية فريدة ، حولته من مجرد مُلحد إلى متدين شدي التدين للكنيسة ، وهو من كتب نصًا كاملاً بشأن نبوءة كازوت ، قبيل وفاته في عام 1803م ، بالإضافة إلى ما كتبه عدد آخر ممن حضروا تلك الليلة في قصر الأمير دي بوفو ، وأكدوا جميعًا حقيقة ما تنبأ به كازوت حرفيًا .