المنسف واحدة من الأكلات الأردنية الأكثر شهرة على الإطلاق ، فهو الأكلة الرسمية للشعب الأردني بجميع طبقاته وأطيافه ، كما أن الفلسطينيون يطبخونه دائمًا في الأعراس والمنسف هو ثريد اللحم الضأن باللبن والخبز والأرز .ويتميز المنسف عن باقي الأكلات بلبن الجميد هو يستخلص من اللبن بعد تحويله لرائب ، ويطبخ اللحم في المرق والجميد ، وتعتبر مكونات تلك الوصفة سمة ثقافية تعبر عن طبيعة الأردن القائمة على الرعي والزراعة .وللمنسف أصل تاريخي معروف فيقال أنه في عهد الملك المؤابي ميشع ، وبالتحديد في القرن التاسع قبل الميلاد ، نشأت تلك الأكلة الشعبية لتعبر عن الصراع العربي اليهودي ، ففي لحظة تاريخية من لحظات الصراع الماضية .قام الملك ميشع الذي سلبته القوى المعادية مسلته في القرن الثامن عشر ، وظلت بعيدة عن يده حتى وضعت الأن في متحف اللوفر بباريس ، بمطالبة شعبه بطهي اللحم باللبن في يوم محدد حتى يتيقن من علم شعبه بعقيدة اليهود ، ومخالفته لهم .ومن خلال ذلك الموقف حدد الملك ميشع ملامح المعركة بينه وبين اليهود ، فالرواية التاريخية تقول أن الملك ميشع قرر أن يخوض الحرب ضدهم حينما تيقن من أن كل أطياف شعبه في المملكة الممتدة بين نهر الزرقاء ومعان قد قام بطهي اللحم باللبن ، ناسفًا بذلك كل العهود التوراتية .ويعد المنسف جذر أصيل للنصر والكرامة في الذاكرة الوطنية ، فبفضله وقعت أول معركة يكسبها العرب ضد اليهود ، ولعل التاريخ هو الشاهد الموثق لذلك بالرواية و البرهان ، وتلك الهزيمة التي وقعت قبل نحو 3 الاف عام ، خلفت عند اليهود مخزونًا كبيرًا من الكراهية الدينية ضد مملكة المؤابين الأولى ، فكان نسف العقود التوراتية والحرب عليهم شيئًا لا يستهان به .ومن المرجح أن المنسف هو الاكلة الوحيدة في العالم كله ، التي نشات على قرع طبول الحرب في معركة كهذه ، وهي لا تعد محض طعام يتناوله الناس فحسب ، وإنما تجسد صراع حضاري ضرب حذروه لألاف السنين في تاريخ المنطقة .فكل فقه معاهدات السلام والتسويات التي وقعت ولا تزال لا يمكن أن يطوي أبدية الصراع الدائر بيننا وبينهم ، ولعل تلك القصة التي توضح أصل حكاية ” المنسف ” تفرض علينا أن نراعي في أدبيات الثقافة والتاريخ الوطني قداسة المنسف ، ومكانته في نفوس الشعب الأردني .لذا كان لابد من كتابة القصة وإعادة انتاجها وتأريخها وتدوينها بحرفية ومهنية ، بل وجب أن تنضم إلى مناهج الثقافة الوطنية بالمدارس والجامعات ، فهي تطوي بين حباتها تاريخًا طويلًا عن الصراع العربي الاسرائيلي ، والنصر الكاسح له ولعل من يأكل المنسف لأول مرة بعد معرفته بتلك القصة سيشعر معه بمذاق أخر ؛ مذاق العزة والفخر .