قصة دار العلم البغدادية

منذ #قصص منوعة

وصلت الحضارة الإسلامية لقمة مجدها وأوج ازدهارها في القرني الثاني والثالث الهجري ، اتسعت رقعة الأرض وزادت الفتوحات الإسلامية ، وبدأت حركات التأليف والترجمة وبالطبع ازدهر مع كل ذلك المكتبات ، وأنفق الخلفاء على المكتبات الكثير من الأموال ، حتى وصوا أنهم كانوا يتفاخرون بعدد الكتب داخلها ، ومن أشهر المكتبات دار الحكمة التي أسسها الخليفة المأمون في بغداد ومكتبة دار السلام .مع التغير السياسي الذي طرأ على العالم الإسلامي وبعد هجمات الصليبيين وزيادة الانشغال بالحروب لنحو قرن كامل من عمر الزمان حدثت تغيرات كبيرة ، حتى أن الخلفاء العباسيون لم يعدوا يشتغلوا بحركة العلم والكتابة والتدوين والترجمة مثل أسلافهم ، ولكن الجو العام بين الناس مازال حيًا ينبض بروح العلم رغم ضعف الدولة السياسي الذي ظهر جليًا بعد هجمات الصليبيين .حتى القرن العاشر ازدهرت أحياء معينة بأنها مكان للعلم والعلماء ، كان يجذب العلماء والمتعلمين من كل أنحاء العالم ، يجتمعون ويبدؤون أنشطتهم العلمية بداخله ، وكان في هذه الأثناء الوزير الأعظم سابور بن أردشير وزير الدولة البويهية التي بدأت عام 991م ، كان رجلًا محبًا للعلم والعلماء ، وكان يعمل كاتب في شبابه وترقى بالمناصب حتى أصبح وزيرًا ، قام الوزير بشراء دار كبيرة وأسماها بدار العلم ، لكي تُعيد مجد مكتبات بغداد القديمة .أمر الوزير بعد شراءه للدار بتبليطها بالرخام وطلائها باللون الأبيض ، لكي تكون مميزة عن كل ما يحيط بها من منازل بغداد ، ثم اشترى الكتب وأمر الخطاطين وكبار العلماء ببغداد أن يتولوا الأمر ، وأشترى من أفضل العلماء والخطاطين الكتب الخاصة بهم ،حتى بلغ عدد الكتب التي اشتراها 10400 مجلد ، وعدد مائة مصحف بخط بني مقلة من أشهر الخطوط في العصر الوسيط ، على الأرجح كانت معظم الكتب بخطوط أصحابها .بدأت تظهر شهرة المكتبة بعد فترة من الوقت بين المؤلفين والعلماء ، وأصبحت عدد الكتب في ازدياد ، وبدأ العلماء يتسارعون لوضع كتبهم داخل المكتبة ، وكانت المكتبة تتولى الشئون المالية الخاصة بها بنفسها ، وقام الوزير بوقف عدد من أملاكه من أجل المكتبة ، فكانت تعتمد على الوقف ولا تحتاج أي هبات من أحد .أيضًا كانت تتبع سياسات معينة وخاصة في قبول الهدايا ، فلا تقبل أي هدية قبل فحصها حتى أصبحت تضم من الكتب أنفسها ، وكانت هي المرجع الأول لكبار العلماء ، ثم فتحت المكتبة باب المناظرات العلمية ، فكانت تجري فيها المناظرات الفلسفية برئاسة أبي العلاء المعري ، فقد كانت لتلك المكتبة دورًا بارزًا على علوم اللغة العربية وعلى الأدب العربي .لم تتوقف المكتبة عن العمل بعد وفاة الوزير وتولى أمرها رجلُ من أعيان بغداد هو الشريف المرتضى أبو القاسم بن الحسن بن موسى ، كانت المكتبة تقدم المأوى لمحبي القراءة وتقدم خدماتها للعامة من الناس ، ولكن لما أن لبث تطورت الأحداث عندما دخلت عائلة بني عبدالرحيم لعالم السياسية وقامت بنهب كتب المكتبة ثم الحدث الثاني هو نشوب حريق في حي الكرخ دمر عدد كبير الكتب ، ولم يبقى من محتوياتها إلا القليل وسارع الناس لنهب ما تبقى من الكتب .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك