كم من قصص العشق والغرام قد أثرت في نفوسنا ، منها ما ألهمنا الصبر والقوة على تحمل بعض الصعاب في حياتنا ، في سبيل الحفاظ على ما أحببنا وبحق ، والبعض منها منحنا العظة والعبرة التي تدفعنا لاستكمال حياتنا ، دون أن نقف كثيرًا على الأطلال ، متحسرين على ما مضى فقط. وقصتنا من النوع الأول الذي يهبنا المضي قدمًا ، في الحفاظ على ما نحب ونستحق .وقعت أحداث قصتنا في فرنسا ، إبان فترة الحرب العالمية الأولى عام 1914م ، حيث كان الحبيبان جولي ومارتن غارقان في قصة حب ، تحدث بها كل من عرفهما منذ الصغر ، وارتبط الحبيبان تحت أعين ذويهما ، وكاد هذا الارتباط أن يتحول إلى بيت لأسرة صغيرة سعيدة ، لولا شبح الحرب الذي لاح في الأفق وأجبر مارتن ، على الالتحاق بقوات جيشه ، نظرًا لبلوغه السن القانونية في هذا الوقت ، فقام بالذهاب إلى معسكره ، حيث تم إرساله للحاق برفاقه على الجبهة وفي الخطوط الأمامية .ظل العاشقان على اتصال ببعضهما البعض ، طوال عامين متتالين لم تنقطع فيهما ، مراسلاتهما الطويلة والتي كانت تصل إلى بضعة أوراق ، يروي فيها كلا الحبيبين ما يحدث معه تفصيلاً لحبيبه ، من أجل أن يشعرا بأنهما سويًا فقط .وفي أحد الأيام حدث أن توقفت رسائل مارتن تمامًا ، لفترة طويلة جدًا ساد خلالها القلق العارم ، لكافة أفراد أسرته وحبيبته العاشقة ، التي طالما تمنت أن تراه حيًا مرة أخرى ، إلى أن حدثت الفاجعة وجاءتها برقية عسكرية ، تبلغ ذويه بأن مارتن وجميع أفراد الكتيبة التي كان منتسبًا لها .قد أبيدت عن بكرة أبيها ولم يبق منهم أحدًا على قيد الحياة ، وذلك أثناء تواجدهم بمنطقة عسكرية في جنوب فرنسا ، ولم يتم العثور على الجثث أو تسليمها لهم ، ولكنه كان في عداد المفقودين ، وأبلغت الإدارة العسكرية عائلة مارتن وحبيبته أن يحتسبوه ، من بين المفقودين وألا يعقدوا أملاً واهيًا بشأن نجاته .انهارت جولي تمامًا وظلت أيامًا عدة تبكي حبيبها الضائع ، وتمني نفسها بأن تلقي عليه نظرة واحدة أخرى ، حتى غابت في نوم عميق رأت خلاله نفسها ، تقف بين أنقاض مكان ما وأمامها قلعة ، ذات برجين لهما هيبة ، وكان حبيبها مارتن يقف أمام القلعة ملوحًا لها أن تأتيه ، وعندما همت بالذهاب إليه إذا بقذيفة تهبط على القلعة ، لتضرب أحد البرجين وتسقطه فوق رأس مارتن ، فتهرع إليه حبيبته جولي فزعه ، لتسمعه يناديها من بين الأنقاض أن أنقذيني .استيقظت جولي من نومها فزعه ، لتقول لنفسها ها أنا أكاد أجن وأحلم أنه ما زال على قيد الحياة ، ومضى يومها في شقاء ودموع وحسرة على حبيبها ، وعندما نامت رأت حلمها يتكرر بنفس التفاصيل مرة أخرى ، لتستيقظ وتشعر بالأتربة تغلف كل أنفاسها.ظل هذا الحلم يراود جولي كثيرًا ، لتعرف بأنه ليس حلمًا وإنما نبوءة أو رسالة ، يرغب مارتن في إيصالها إليها وتؤمن بأنه مازال على قيد الحياة بالفعل ، وروت لأهلها وأهل مارتن الحلم المتكرر ، وقررت أن تذهب إلى جنوب فرنسا لتبحث عنه .استنكر الجميع ما أرادت أنت تفعله جولي ، ولكن أمام إصرارها لم يستطع أحدهم أن يمنعها ، فحملت حقيبتها على ظهرها واتجهت صوب الجنوب بحثًا عن القلعة التي رأتها في أحلامها مرارًا وتكرارًا .جابت جولي أماكن كثيرة وهي تسأل عن القلعة ، والمكان الذي كانت ترابط به كتيبة مارتن ، وطفق السكان المحليون يدلونها نحو الطريق ، والبعض يعطف عليها من حين إلى آخر بالمال ، أو الطعام أو الشراب ، فقد كانت رحلتها طويلة مع صعوبة في التحرك نظرًا لندرة وسائل المواصلات في هذا الوقت ، ووعورة الطريق بالإضافة لعدم معرفة جولي للمكان بالتحديد .فصارت الفتاة شعثاء الشعر ورثة الثياب ، لدرجة أن الجميع قد بدؤوا يظنون أنها عشيقة مجنونة مات حبيبها ، فلم تتمالك نفسها من بعده ، إلى أن وصلت جولي إلى مكان ورأت القلعة الميمونة .هللت جولي فرحة عندما رأت القلعة ذات البرجين ، وقالت هذا هو المكان ، وهنا يقبع مارتن منتظرًا أن ننقذه ، ساد جدل طويل بين سكان المكان ورافقها بعضهم يساعدونها ، على الرغم من السخرية اللاذعة في حديث الجميع ، حتى من يقفون إلى جوارها وينظرون لها بشفقة .ظلت جولي تحفر الأرض بيديها ، إلى أن بدأ الجميع يسمعون صوتًا يأتيهم من أسفل الأنقاض ، وهو يطلب المساعدة ، دهش الجميع وهرولوا فجأة بمجرد أن سمعوا الصوت وسط ذهول تام بينهم ، فليس من المعقول أن يظل شخصًا تحت الأنقاض لعام كامل دون أن يموت !ظل الجميع في تعاون تام لساعات متواصلة ، حتى استطاعوا أن يزيحوا الصخور الكبيرة ويفتحون ممرًا أسفل القلعة ، ليتفاجئوا جميعًا برجل ملتحي ورث الثياب ، وهو يصرخ مهللاً أنا مارتن أين جولي ، وهو يكاد لا يرى حيث بقي في الظلام لعام كامل .وبسؤاله عن كيفية بقائه على قيد الحياة طوال تلك الفترة بدون طعام أو شراب ، أجابهم بأن المكان الذي وجوده فيه هو قبو القلعة التي تم تدميرها ، وعندما انطلقت القذيفة فوق رأسه هو وزملائه كان هو بالقبو أسفل القلعة ، فلم يصبه شيء جراء تلك القذيفة ، وظل على وضعه هكذا يأكل من الطعام الذي كان موجودًا بالقبو ، حيث كان يستخدم القبو كمخزن للطعام فكان فيه ما كفاه من الطعام لعام كامل ، بالإضافة إلى الكثير من النبيذ والمياه أيضًا .عاد كل من جولي ومارتن إلى ذويهما ، وتم تكريم مارتن ومنحه مكافأة من الجيش ، تمكن بها من شراء منزل لهما بعد أن هدأت فترة الحرب ، وتزوجا ليضعا نهاية متميزة لقصة عاشقين لم تفرقهما الحرب .