قصة تشو شو كاكي

منذ #قصص منوعة

كانت محاضرة طويلة بعض الشيء ، لكنها قيمة ومفيدة جدا للطلاب في كلية التاريخ ، الذين كانوا يستمعون إليه بانتباه وتركيز شديدين فهو البروفيسور المشهور الذي جال العالم طولا وعرضًا وحاضر في أشهر الجامعات .المحاضرة والمحاضر :
كانت المحاضرة حول الشعوب والقبائل والأعراق البشرية وتطورها في الماضي والحاضر وبالذات الشعوب والقبائل الإفريقية ، وبلغ من أهمية المحاضرة أهمية المحاضر ، إذ كان من الحضور أساتذة الجامعات والباحثين والكتاب ، وما أن انتهت المحاضرة ، حتى علا التصفيق بين جمهور الحضور ، إعجابا بالمحاضرة والمحاضر والفائدة الثقافية والعلمية التي نجمت عن ذلك .بدء الأسئلة :
أعطى المشرف على المحاضرة ، إشارة البدء بالأسئلة لعموم الحضور الذي بدأ بعض أفراد الأسئلة ، كان البروفيسور يجيب على الأسئلة جميعها ويناقش بعضها بطريقة علمية ويقدم المعلومات المفيدة والأدلة والبراهين الداعمة .تشوشوكاكي :
فجأة رفع طال من الصفوف الخلفية ، يده للسؤال ، وعندما أشار له المحاضر بالإيجاب قال : .. سيدي ، لقد قرأت في الصحف منذ فترة عن قبيلة في إفريقية تسمى ، تشوشوكاكي ، وهذه القبيلة كما قيل تقوم ببناء معبد لها وبعد فترة تقوم بهدمه ! ثم بعد ذلك تقوم ببنائه من جديد ثم تقوم بعدها بهدمه وإعادة الكرة ، وهي عادة معروفة لديهم منذ تاريخ نشؤها ، فما هو السبب في ذلك ، وما هي معلوماتكم عن هذه القبيلة ، إذا تكرمتم  !سؤال محرج :
كان السؤال محرجًا للبروفيسور ، فهو لم يُسمع يومًا عن قبيلة بهذا الاسم طوال حياته وفترة دراسته ، وهاهو اليوم أحدهم يسأله عنها أمام جمهور غفير من الناس ! لكن وبالرغم من ذلك فان شخصيته ومرتبته العلمية الرفيعة لم يمنعاه من أن يقول بكل تواضع وثقة أمام الحضور في الواقع يا بني هذه أول مرة اسمع بهذه القبيلة ، أنت تعلم والحضور كذلك ، الإنسان معها تعلم وتحصل على المعرفة يبقى هنالك أشياء يجهلها ، وعلى كل حال ، أعدك أن أستقصي عن هذه القبيلة واستعلم عنها وأخبرك بالنبأ اليقين حولها ، أرجو أن تترك لي عنوانك وهاتفك لدى إدارة الجامعة ، كي أتمكن من التواصل معك فيما بعد .غرائب الشعوب :
ما ان انتهت المحاضرة وغادر الجميع ، حتى اتجه البروفيسور إلى المكتبة العمومية في الجامعة حيث يوجد شبكة للانترنت ، وهناك فتح حاسبه المحمول وبدأ البحث عن قبيلة تشوشوكاكي ، المزعومة تلك وكان ينتابه شعور خفي ، بأنها غير موجودة ولا يعلم بها .. وبالذات وأن تخصصه الأساس هو الشعوب الإفريقية أظهر له محرك البحث معلومة بسيطة جدا عن قبيلة تشوشوكاكي ، أعاد البحث في النت مرة أخرى فوجد موقع يتحدث عن غرائب الشعوب ووجد معلومة بسيطة أخرى عن هذه القبيلة وعن الدولة الإفريقية التي هي فيها ، جاء في الموقع ما فاده تشوشوكاكي قبيلة إفريقية تقع في مجاهل غابات افريقية وتتسم بظاهرة غريبة هي بناء معابد خاصة بها من الطين وهدمها بعد فترة ثم إعادة بناءها .السبب غير معروف :
عاد الرجل إلى المنزل وأخذ يبحث في الكتب والمراجع المتوافرة لديه ، عن قبيلة تشوشوكاكي فوجد في أحد المراجع شذرات بسيطة عنها ، ضرب بيده على رأسه وقال : فعلا يبقى الإنسان ناقص علم ومعرفة مهما تعلم وقرأ ولكن ما قصة هذه المعابد التي يبنوها ويهدموها  وهل هذه الحقيقة مؤكدة فعلا ! اتصل بعدد من زملاؤه في الدراسة والبحث العلمي .فلم يجد نتيجة شافية وافية مؤكدة ، واحد منهم أخبره أن ذلك غير صحيح لكنه لا يعرف السبب الذي ربما يكون سببا عقائديا دينيا أو ربما عرفا اجتماعيا متوارثا من الأجيال السابقة لديهم ، لكن لا أحد يدري بالضبط قصد الرجل سفارة الدولة الإفريقية التي تتواجد بها هذه القبيلة واستعلم عنها ، ولكنه حصل على النتيجة بذاتها .. السبب غير معروف .الأرق والحرج :
يوما بعد يوم ، شكلت قضية معابد قبيلة تشوشوكاكي أرقًا فكريًا، ونفسيا للبروفيسور الذي لم يكن معتادًا على تجاهل الحقائق العلمية والمعلومة التاريخية ، مهما صغر حجمها ، ومهما تضاءلت أهميتها ، فرجل مثله لابد أن يكون ملمًا بكل شيء ، يكفي أن هذا السؤال قد شكل لي حرجًا أمام الجمهور في المحاضرة ، قال في نفسه.السفر لاكتشاف الحقيقة :
أخيرا وبعد مخاض نفسي عنيف قرر الرجل السفر بنفسه إلى افريقية وتحديدًا إلى قبيلة تشوشو كاكي ، ومعرفة السبب الحقيقي من مصدره الأساسي ، قدم طلبا للفيزا من سفارة تلك الدولة الإفريقية فحصل عليها فورا مع تسهيلات وتوصية كونه شخص ذا درجة علمية مرموقة ، عندما وصل مطار الدولة الإفريقية وكان بانتظاره سيارة خاصة لتقله إلى الفندق الذي كان ينتظره فيه دليل سياحي إفريقي خاص لمساعدته في رحلته تلك ، وفي غرفة بالفندق ، لم يضيع الرجل وقتًا فقد جهز أدواته ونفسه للسفر صباح يوم الغد إلى موقع قبيلة تشوشوكاكي مع الدليل السياحي .خارج التاريخ :
كان الجو حار جدًا ، عندما وصلت سيارة الدفع الرباعي إلى أحد الأدغال حيث تناثرت أكواخ عدة من القصب والأوراق اليابسة في المكان ، ترجل البروفيسور من السيارة وألقى نظرة فاحصة على المكان ، وأحس أنه خارج التاريخ وأنه عاد وربما إلى ألفي عام للوراء  ! لم يكن هناك أي أثر يدل على حضارة المدينة أو بشرية حديثة سوى بعض أكوام الحجارة والطين التي كان واضحًا بلا شك أنها هي نفسها المعابد المذكورة ، تجمهر عدد من الفتية الصغار حول السيارة والزوار القادمين بدهشة فضول ، وما لبث الجميع أن ذهبوا إلى خيمة رئيس القبيلة .زعيم القبيلة :
في الخيمة قدم البروفيسور الهدايا لرئيس القبيلة الذي كان رجلا طاعنا في السن وبالكاد يبصر ، وبعد مجاملات التحية ، دخل في الموضوع الذي جاء لأجله مباشرة وسأل زعيم القبيلة عن سر المعابد وسر هدمها وإعادة بناءها من جديد !سر هدم المعابد :
ما أن انتهى المترجم من نقل كلام الرجل إلى زعيم القبيلة ، حتى هز الأخير برأسه مبتسمًا وقال بهدوء ، قصة المعابد يا سيدي هي أنه يوجد لدينا عرف أو قانون قديم في قبيلتنا هذه ولا أعرف إن كان موجودًا في مكان آخر أو قبيلة أخرى ، والقانون يقول إنه كلما صح صلح ألف رجل من قبيلتنا بيننا لهم معبدا صغيرًا من طين خاص بهم ، وإذا فسدوا .. هدمنا المعبد لأنه بنظرنا عجز عن إصلاح الناس ، بل وساهم في إفسادهم وكذبهم ونفاقهم ولأنه لم يؤد دوره بالشكل المطلوب والمفترض منه .رمز الصلاح ورمز الفساد :
فالمعبد بنظرنا هو للأشخاص الصالحين ، ولجعلهم صالحين ، فإذا تحولوا فاسدين بعد صلاحهم علمنا ان المعبد قد فسد أيضا بدوره ، فنقوم بهدمه فورا كي لا يتحول إلى سرطان يصعب اجتثاثه وهدمه فيما بعد .المعبد بنظرنا أيها السيد البروفيسور هو رمز لوجود صلاح في القبيلة وأداة لتثبيت هذا الصلاح وليس خلقه! المعبد أيها السيد لا يخلق صلاح بل هو مكان لاجتماع الصالحين ، فالصلاح يأتي من الشخص نفسه وما رباه والديه عليه لا من المعبد ، وإذا انتشر الفساد في القبيلة ، أضحى من الخطر وجود المعبد لأنه سيصبح في نظر أفراد قبيلتنا ، رمزًا للفساد وهذا ما لا نريده حتمًا .انحناءه طويلة واحترام :
شكر البروفيسور زعيم القبيلة على ما تفوه به ، وودعه ثم اتجه إلى السيارة برفقة من معه ، وعندما أراد الصعود استدار ونظر إلى أفراد القبيلة البدائيين المتجمهرين ، حوله يحملقون به بدهشة واستغراب ، رفع قبعته ثم انحنى لهم انحناءه طويلة وغادر المطار حيث كانت الطائرة بانتظاره للعودة .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك